بل اكثر من ذلك عبّر عن ذاته المقدّسة التي هي أفضل واسمى ما في الوجود بالنّور (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (١)
ومع انّ كلّ هذه الأمور تعود الى تلك الحقيقة ، لانّها من الله ، ومن الايمان به ، فإنّها وردت بصيغة المفرد ، وعلى عكس الظّلمات التي هي عامل التشتّت لذلك وردت بصيغة الجمع التي تبيّن الكثرة والتعدّد.
وبما انّ الايمان بالله والسير في طريقه باعث على الحركة وموجبا لليقظة ، وعامل للاجتماع والوحدة ، ووسيلة للتقدّم والكمال ، فإنّ هذا التشبيه على كلّ حال اكثر محتوى ودلالة تربوية.
٢ ـ التعبير بـ «لتخرج» في الآية الاولى تشير الى نقطتين :
الاولى : بما انّ القرآن الكريم كتاب هداية ونجاة للبشر ، لكنّه بحاجة الى من يطبقه ويجريه ، فيجب ان يكون هناك قائد كالرّسول لكي يستطيع ان يخرج الضالّين عن الحقيقة من ظلمات الشقاء وهدايتهم الى نور السعادة ، ولهذا فالقرآن الكريم بعظمته لا يمكن له ان يحلّ جميع المشاكل بدون وجود القائد والمنفّذ لهذه الأحكام.
الثانية : انّ صيغة الإخراج في الواقع دليل على التحرّك المشفوع بالتغيّر والتحوّل ، وكأنّ غير المؤمنين موجودون في محيط مغلق ومظلم ، والرّسول ـ او القائد ـ يأخذ بأيديهم ويدخلهم الى جوّ واسع ومنير.
٣ ـ الملفت للنظر انّ بداية هذه السورة شرعت بمسألة هداية الناس من الظّلمات الى النّور ، ونهايتها ختمت بمسألة إبلاغ وإنذار الناس ، وهذه توضّح انّ الهدف الاصلي في كلّ الأحوال هو الناس ومصيرهم وهدايتهم ، فإنزال الكتب السّماوية وبعث الأنبياء في الواقع هو للوصول الى هذا الهدف.
* * *
__________________
(١) النّور ، ٣٥.