وفي الآية (١٥٩) آل عمران (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
وكذلك يقول القرآن الكريم : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). (١)
نستفيد من مجموع هذه الآيات انّ القصد من التوكّل ان لا يحسّ الإنسان بالضعف في مقابل المشكلات العظيمة ، بل بتوكّله على قدرة الله المطلقة يرى نفسه فاتحا ومنتصرا ، وبهذا الترتيب فالتوكّل عامل من عوامل القوّة واستمداد الطاقة وسبب في زيادة المقاومة والثبات. وإذا كان التوكّل يعني الجلوس في زاوية ووضع احدى اليدين على الاخرى ، فلا معنى لأن يذكره القرآن بالنسبة للمجاهدين وأمثالهم.
وإذا اعتقد البعض انّ التوكّل لا ينسجم مع التوجه الى العلل والأسباب والعوامل الطبيعيّة ، فهو في خطأ كبير ، لانّ فصل العوامل الطبيعيّة عن الارادة الالهيّة يعتبر شركا بالله ، او ليست هذه العوامل تسير بأوامر ومشيئة الله؟
نعم إذا اعتقدنا انّ العوامل مستقلّة عن ارادته فهي لا تتناسب مع روح التوكّل. فهل من الصحيح ان نفسّر التوكّل بهذا التّفسير ، مع انّ الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي هو راس المتوكّلين لم يغفل من استخدام الخطط الصحيحة والاستفادة من الفرص المتاحة وانواع الوسائل والأسباب الظاهرية لتحقيق اهدافه ، انّ هذا يثبت انّ التوكّل ليس له مفهوم سلبي.
ثانيا : انّ التوكّل ينجّي الإنسان من التبعية التي هي اصل الذلّ والعبودية ، ويمنحه الحرية والاعتماد على النفس.
«التوكّل» و «القناعة» لهما جذور مشتركة ، وفلسفتهما متشابهة ، وفي نفس الوقت متفاوتة ، ولا بأس هنا ان نذكر عدّة روايات في مجال التوكّل وأصله
__________________
(١) النحل ، ٩٩.