الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) قبل ان يأتي ذلك اليوم الذي لا يستطيع فيه الإنسان من التخلّص من العذاب بشراء السعادة والنعيم الخالد ، ولا تنفع الصداقة حينئذ (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ).
ثمّ تتطرّق الآية الى معرفة الله عن طريق نعمه ، معرفة تؤدّي الى احياء ذكره في القلوب ، وتحثّ الإنسان على تعظيمه في مقابل لطفه وقدرته ، لانّ من الأمور الفطرية ان يشعر الإنسان في قلبه بالحبّ والودّ لمن أعانه واحسن اليه.
ويبيّن هذا الموضوع من خلال عدّة آيات (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ).
ثمّ انّه (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) سواء من جهة موادّها الاوّلية المتوفّرة في الطبيعة ، او من جهة القوّة المحرّكة لها وهي الرياح التي تهب على البحار والمحيطات بصورة منتظمة لتسيير هذه السفن فتنقل الإنسان وما يحتاج اليه من منطقة الى اخرى بيسر وسهولة : (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ).
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) كي تسقوا من مائها زروعكم ، وتشربوا أنتم وانعامكم ، وفي كثير من الأحيان تكون طريقا للسفن والقوارب ، وتستفيدون منها في صيد الأسماك.
وليست موجودات الأرض ـ فقط ـ مسخّرة لكم ، بل (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) (١).
وليست مخلوقات العالم بذاتها فقط ، بل حتّى الحالات العرضية لها هي في خدمتكم : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) من احتياجاتكم البدنيّة والاجتماعية وجميع وسائل السعادة والرفاه (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) لانّ النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع وجودكم
__________________
(١) «دائبين» من مادّة «الدؤوب» بمعنى ادامة العمل طبقا للسنّة الثابتة ، وبما انّ الشمس والقمر مستمرّان بشكل ثابت من ملايين السنين ، وما لها من فوائد عظيمة للكائنات ، لا نجد هناك عبارة لهما أفضل من دائبين.