يَأْتِى) يكون فيه جمع من الناس سعداء من خلال اعمالهم ، وجمع آخر أشقياء بسبب اعمالهم ، والله سبحانه يعلم من الذي اختار طريق السعادة باختياره ، وبإرادته ، ومن الذي خطا خطوات في مسير الشقاء بإرادته. وهذا المعنى يعطي نتيجة معاكسة تماما لما ذكره الرازي حيث انّ الناس إذا كانوا مجبورين على هذا الطريق فإنّ علم الله سيكون جهلا (والعياذ بالله) ، لانّ الجميع اختاروا طريقهم وانتخبوه بإرادتهم ورغبتهم.
الشاهد في الكلام انّ الآيات المتقدمة تتحدث عن قصص الأقوام السابقين ، حيث عوقبت عقابا جماعة عظيمة منهم ـ بسبب ظلمهم وانحرافهم عن جادة الحق والعدل ، وبسبب التلوث بالمفاسد الاخلاقية الشديدة ، والوقوف بوجه الأنبياء والقادة الإلهيين ـ أليما في هذه الدنيا ... والقرآن يقص علينا هذه القصص من اجل إرشادنا وتربيتنا وبيان طريق الحق من الباطل ، وفصل مسير السعادة عن مسير الشقاء.
وإذا كنّا ـ أساسا ـ كما يتصوّر الفخر الرازي ومن على شاكلته ـ محكومين بالسعادة والشقاء الذاتيين ، ونؤخذ دون ارادتنا بالسيئات او الصالحات ، فإنّ «التعليم والتربية» سيكونان لغوا وبلا فائدة ... ومجيء الأنبياء ونزول الكتب السّماويّة والنصيحة والموعظة والتوبيخ والملامة والمؤاخذة والسؤال والمحاكمة والثواب ... كل ذلك يعدّ غير ذي فائدة ، او يعدّ ظلما.
الأشخاص الذين يرون الناس مجبورين على عمل الخير او الشرّ ، سواء كان هذا الجبر جبرا الهيا ، او جبرا طبيعيا ، او جبرا اقتصاديا ، او جبرا اجتماعيا متطرفون في عقيدتهم هذه في كلامهم فحسب ، او في كتاباتهم ، ولكنّهم حتى أنفسهم لا يعتقدون ـ عند العمل ـ بهذا الاعتقاد ، ولهذا فلو وقع تجاوز على حقوقهم فانّهم يرون المتجاوز مستحقا للتوبيخ والملامة والمحاكمة والمجازاة ... وليسوا مستعدين ابدا للإغضاء عنه بحجة انه مجبور على هذا العمل وانّ من