البلاء قائلة : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ) ثمّ تستثني جماعة فتقول : (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا).
هذه الجماعة القليلة وان كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ولكنّها كحال لوط عليهالسلام وأسرته الصغيرة ، ونوح والمعدودين ممن آمن به ، وصالح وجماعة من اتباعه ، فإنّهم كانوا قلّة لم توفق للإصلاح العام والكلي في المجتمع.
وعلى كل حال فإنّ الظالمين الذين كانوا يشكلون القسم الأكبر من المجتمع اتبعوا لذاتهم وتنعمهم ، وكما تقول الآية : (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ).
وللتأكيد على هذه الحقيقة ، تأتي الآية الثّانية لتقول : انّ هذا الذي ترون من إهلاك الله للأمم ، إنّما كان لعدم وجود المصلحين فيهم (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).
وأحيانا يسود الظلم والفساد في المجتمع ، لكن المهم انّ الناس يشعرون بالظلم والفساد وهم في طريق الإصلاح ، وبهذا الشعور والاحساس والتحرك بخطوات في طريق الإصلاح يمهلهم الله ، ويقرّ لهم قانون الخلق حق الحياة.
ولكن هذا الاحساس متى ما انعدم وأصبح المجتمع صامتا ، وأخذ الفساد والظلم في الانتشار بكل مكان فإنّ قانون الخلق والوجود لا يعطيهم الحق في الحياة ، وهذه الحقيقة تتضح بمثال يسير ... في البدن قوّة ومناعة كريّات الدم البيضاء التي تواجه المكروبات والجراثيم عند دخولها البدن عن طريق الهواء او الغذاء او الماء او الجروح الجلدية إلخ ...
وهذه الكريّات البيضاء بمثابة الجنود المقاتلة إذ تقف بوجه المكروبات والجراثيم فتبيدها ، او على الأقل تحدّ من انتشارها ونموّها.
وبديهي ان هذه القوة الدفاعية التي تتشكل من ملايين الجنود ، لو أضربت يوما عن العمل وبقي البدن دون مدافع ، فسيكون ميدانا لهجوم الجراثيم الضارّة