وقد ضمّنا في نداه جنان |
|
به احتفل الحسن حتى كمل (١) |
فأعرض عنّا لعذر (٢) الصّيام |
|
وما كلّ عذر له مستقلّ |
فإنّ الجنان محلّ الجزاء |
|
وليس الجنان محلّ العمل |
وعندما فرغنا من الطعام أنشدت الأبيات شيخنا أبا البركات ، فقال (٣) : لو أنشدتنيها ، وأنتم بعد لم تفرغوا منه (٤) لأكلت معكم ، برّا بهذه الأبيات ، والحوالة في ذلك على الله تعالى.
ولما (٥) قضى الله ، عزّ وجلّ ، بالإدالة ، ورجعنا إلى أوطاننا من العدوة ، واشتهر عني ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة ، والتّيه على السلطان والدولة (٦) ، والتّكبّر على أعلى رتب الخدمة ، وتطارحت على السلطان في استنجاز وعد الرحلة ، ورغبت في تفويت (٧) الذمّة ، ونفرت عن الأندلس بالجملة ، خاطبني بعد صدر بلغ من حسن الإشارة ، وبراعة الاستهلال الغاية ، بقوله :
«وإلى هذا يا سيدي ، ومحلّ تعظيمي وإجلالي ، أمتع الله تعالى الوجود بطول بقائكم! وضاعف في العزّ درجات ارتقائكم! فإنّه من الأمر الذي لم يغب عن رأي المقول (٨) ، ولا اختلف فيه أرباب المحسوس (٩) والمعقول ؛ أنّكم بهذه الجزيرة شمس أفقها ، وتاج مفرقها ، وواسطة سلكها ، وطراز ملكها ، وقلادة نحرها ، وفريدة دهرها (١٠) ، وعقد جيدها المنصوص ، وكمال (١١) زينتها (١٢) على المعلوم والمخصوص (١٣) ؛ ثم أنتم مدار أفلاكها ، وسرّ سياسة أملاكها ، وترجمان بيانها ، ولسان إحسانها ، وطبيب مارستانها ، والذي عليه عقد إدارتها ، وبه قوام إمارتها ؛ فلديه (١٤) يحلّ المشكل ، وإليه يلجأ في الأمر المعضل ؛ فلا غرو أن تتقيّد بكم الأسماع والأبصار ، وتحدّق نحوكم الأذهان والأفكار ؛ ويزجر عنكم السانح والبارح (١٥) ،
__________________
(١) في الكتيبة : «الحسن فيما احتفل».
(٢) في الكتيبة : «بعذر».
(٣) في النفح : «فقال لي».
(٤) في الكتيبة : «من الطعام».
(٥) نص رسالة ابن خاتمة هذه في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٦٤ ـ ١٧٠) وأزهار الرياض (ج ١ ص ٢٦٥ ـ ٢٧٠).
(٦) في أزهار الرياض : «والدالّة».
(٧) في المصدرين : «تبرئة».
(٨) في المصدرين : «العقول».
(٩) في المصدرين : «أرباب المعقول».
(١٠) في أزهار الرياض : «درّها».
(١١) في النفح : «وتمام».
(١٢) في الأزهار : «زينها».
(١٣) في المصدرين : «على العموم والخصوص».
(١٤) في النفح : «ولديه».
(١٥) السانح : الطائر الذي يمرّ من اليسار إلى اليمين. البارح : الطائر الذي يمرّ من اليمين إلى اليسار ، ـ