كانت أمّ الأنوار وجلا الأبصار ، مهما أغمى مكانها من الأفق قيل : أليل (١) هو أم نهار؟ وكما في علمكم ما فارق ذوو الأحلام (٢) ، وأولو الأرحام ، مواطن استقرارهم ، وأماكن قرارهم ، إلّا برغمهم واضطرارهم ، واستبدال دار هي (٣) خير من دارهم ، ومتى توازن الأندلس بالمغرب ، أو يعوّض عنها إلّا بمكة أو يثرب؟ ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعبّاد ، وما فوقه مرابط جهاد ، ومعاقد ألوية في سبيل الله ، ومضارب أوتاد ؛ ثم يبوّئ (٤) ولده مبوّأ أجداده ، ويجمع له بين طرافه (٥) وتلاده ؛ أعيذ أنظاركم المسدّدة من رأي فائل (٦) ، وسعي طويل لم يحل منه بطائل ، فحسبكم من هذا الإياب السعيد ، والعود الحميد ، وهي طويلة.
فأجبته عنها بقولي (٧) : [السريع]
لم في الهوى العذريّ أو لا تلم |
|
فالعذل لا يدخل أسماعي |
شأنك تعنيفي وشأني الهوى |
|
كلّ امرئ في شأنه ساعي |
«أهلا بتحفة القادم ، وريحانة المنادم ، وذكرى (٨) الهوى المتقادم ، لا يصغّر (٩) الله مسراك! فما أسراك ، لقد جلبت (١٠) إليّ من همومي ليلا ، وجبت (١١) خيلا ورجلا ، ووفّيت من صاع الوفاء كيلا ، وظننت بي الأسف على ما فات ، فأعملت الالتفات ، لكيلا (١٢) ، فأقسم لو أنّ الأمر (١٣) اليوم بيدي ، أو كانت اللّمّة السوداء من عددي ، ما أفلتّ أشراكي المنصوبة لأمثالك (١٤) ، حول المياه
__________________
(١) في الأصل : «الليل» والتصويب من المصدرين.
(٢) في المصدرين : «ذوو الأرحام وأولو الأحلام».
(٣) كلمة «هي» غير واردة في المصدرين.
(٤) كذا في أزهار الرياض. وفي النفح : «يبوّأ».
(٥) في المصدرين : «طارفه».
(٦) الرأي الفائل : الضعيف. لسان العرب (فيل).
(٧) هذان البيتان والرسالة في ريحانة الكتاب (ج ٢ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٥) ، ونفح الطيب (ج ٨ ص ١٦٧ ـ ١٧٠) ، والكتيبة الكامنة (ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥) ، وأزهار الرياض (ج ١ ص ٢٦٧ ـ ٢٧٠).
(٨) في النفح : «وذكر».
(٩) في الكتيبة : «لا يصفر».
(١٠) في النفح والأزهار : «جبت». وفي الريحانة : «جئت».
(١١) في النفح والأزهار : «وجست رجلا وخيلا». وفي الريحانة : «وجبته ...».
(١٢) هذا من الاكتفاء ، وهو يشير إلى قول الله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) سورة الحديد ٥٧ ، الآية ٢٣.
(١٣) في الريحانة : «أمري».
(١٤) أخذه من بيت الشريف الرضي : [البسيط]
لو كانت اللّمّة السوداء من عددي |
|
يوم الغميم لما أفلتّ أشراكي |