ثم في رجب سنة ثلاث أو أربع وثمانين وثلاثمئاة (١) بنا (كذا) زيري مدينة وجدة وحصّنها وشيد قصبتها وانتقل إليها بأهله وذخائره وجعلها قاعدة ملكه لتوسطها بين المغربين. قال الحافظ أبو راس في الخبر المعرب : إن وجدة هي الفاصل بين المغرب الأقصا والأدنا. وقال في فتح الرحمان : إن وجدة كانت في القديم بها مدينة عظيمة لها ثلاثمائة باب وبضع وستون بابا. وسمّيت وجدة لأنها مسكن أهل الوجد ، أو لوجود الصالحين فيها. قاله الغزالي. وبإزائها قبر يحيى بن يونس المدفون بغرب جبل الكواكب من أرض أنقاد يقال إنه من الحواريين الصديقيين ، عبد الله تعالى ثمانين سنة صياما وقياما ولم يأكل فيها شيئا وآمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم قبل مبعثه بخمسمائة عام يقال إن ماء وجدة يخرج من قرب ضريحه أو منه نفعنا الله وذريتنا وقرابتنا وأحبابنا وكافة المؤمنين ببركته.
ثم فسد ما بين زيري بن عطية الخزري المغراوي وبين المنصور بن أبي عامر المعافري في سنة ست وثمانين وثلاثمائة (٢) فبعث المنصور جيوشا كثيرة لنظر واضح لمحاربته ولقيه زيري بجيوشه وحصل المصافّ بوادي ردات بأحواز (ص ٥١) طنجة واتصلت الحروب الكثيرة بينهما ثلاثة أشهر فكان الظفر فيها لزيري / وهزم واضح بجيوشه ومات منه خلق كثير وفرّ لطنجة فتحصّن بها وكتب للمنصور يستصرخه فأمده بجيوش الأندلس وقوادها وعقد عليها لابنه المظفر بن المنصور وأمره بحرب زيري فأجاز البحر وحلّ بطنجة فأهابه زيري وكتب لجيوشه فاجتمعت عليه من سجلماسة ، وتلمسان ، ووهران ، والزاب ، وسائر بوادي زناتة ، ونهض بهم للقاء المظفر فكان المصاف بوادي مينا من أحواز طنجة. وكان لزيري غلام يقال له سلام لا يحبه فألفى الغلام في زيري الفرصة لما وجده مضطجعا ظنّا منه أنه نائم فتقدم له وضربه بسكين كانت عنده للبّته يريد نحره وجرحه ثلاث جراحات ، وتركه كالميت في دمه وانطلق مسرعا للمظفر وأخبره فأمكنته الفرصة وشدّ على زناتة وهم في دهشة مما حلّ بأميرهم من غلامه سلّام فهزمهم واحتوى على المحلة بجميع ما فيها وكثر السبي والقتل وغنم ما لا يحصى ولا يعدّ. وهرب
__________________
(١) الموافق ٩٩٣ ـ ٩٩٥ م.
(٢) الموافق ٩٩٦ ـ ٩٩٧ م.