منصة الرضوان والمشيد رايات الإيمان والباسط مهد العدل والأمان ، الباي السيد محمد بن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان أتحفه الله برضاه ، وجدد له اللطف وأمضاه سنة خمس ومائتين وألف من هجرة من حاز للكمال والشرف والوصف ، جيشا حصل له به النصر والسرور والاطمئنان (كذا) فخرج به من المعسكر قاصدا بحول الله وقوته فتح وهران وقدم أمامه / البارود في عدّة صناديق وجعله ذخرا ببرج (ص ١٩٦) شلابي التركي بوادي سيق. ثم نزل بجيشه بوادي الحمام ورحل منه مرتجيا النصر له من المالك العلام. فنزل بسيق وهو كالليث الضرغام وارتحل بقصد قتال النصارى بغير الملام. فنزل بوادي تليلات واشتاقت نفسه لدخول روضات الجنات ثم ارتحل من الغد وهو بفعله كالغانج فنزل بوطاء وادي الهايج ، واجتمعت عنده الأعراش بالتمكين وجاءه المخزن والنصر بلوح عليه من رب العالمين. وكان الوقت وقت الحصاد ، والذي فيه تجمع قوت سنتها سائر العباد ، فتفاوضوا معه في الأمر وتشاوروا ، وتجاوبوا معه في القول وتحاوروا ، وقالوا له يا نعم الأمير الرأي الذي لنا ولك فيه العزّ المنيف ، أن تدع هذا القتال وتؤخره إلى وقت الخريف ، لتذهب الناس لجمع عيشها ، وتتفرغ لقتال العدو بجيشها ، فأجابهم بقوله رأيكم فيه الحكمة والصواب ولاكن (كذا) أنتم ونحن في رأي الأولياء والعلماء أولى الألباب فهم أدرى بالأمور ، وبإشارتهم يكون الفوز والسرور فبعثوا فورا للولي الشهير ، بسيدي محمد أبي دية الضرير ، وهو بزاويته بجبل تاسّالة ، فأتوه به في أكمل حالة لحالة كمّاله ، فاجتمع هو وأعيانه به فشاوروه ، وتردّد القول بينه وبينهم وحاوروه ، فقا الولي لهم قولته الكاملة أنك لا تفتحها في سنتك هذه وإنما تفتحها في محرم السنة القابلة. فسّر الباي وفرح واطمأن قلبه وانشرح. وكان الباي معتمدا على كلام الولي الصوفي سيدي الأكحل ابن عبد الله الخلوفي وكان أبو دية مأذونا له في الكلام ، ومشهورا بذلك عند الخاص والعام ، حتى صار يقول من أبي دية الخبّار ، لم يبق من يعط الأخبار. وعند موته باع الولاية لأبي عمامة ، فقام مقامه في التكلم بأحسن استقامة ، ولما سمع الباي كلام أبي دية ارتحل من حينه ولأمّ عسكر رجع. وصار يراصد الوقت الذي له أنفع ، ولما دخلت سنة ست من الثالث عشر (١) بالإثبات قدم لفتحها في
__________________
(١) الموافق ١٧٩١ ـ ١٧٩٢ م.