فخلعه وتولّى مكانه. وتولّى ثانيا على جميع الإيالة الغربية في أواسط محرم الحرام فاتح سنة ستين ومائة وألف (١) فمكر بأهل تلمسان والمحال مكرا كبارا (كذا) أفنى فيه كثيرهم. وسببه أنه لما كان بايا في المرة الأولى بتلمسان تعصّب عليه أهلها ونقموا حكمه وصاروا يرسون ساحته في اليل (كذا) بكل نجاسة وميتة ودم وغيرها / فاغتاظ لذلك شديدا وترك حلق رأسه ولحيته إلى أن كبرا وهو في (ص ٢٢٣) تزايد الغضب ثم ذهب للجزائر وقد اشتد به العطش في الطريق ولمّا مرّ بالمحال استسقاهم فأسقوه لبنا وفي حال شربه أهرقوا عليه الإناء وقهقهوا بذلك فأسرها في نفسه وأسرع في سيره للجزائر ولما دخلها اجتمع بالباشا بواسطة الأعيان فتعجب منه شديدا وسأله عن حاله فأخبره بكل ما صار له مع أهل تلمسان ثم المحال في طريقه فصبّره الباشا على ذلك ثم أنه سأل من الباشا التولية ويعطيه قدرا من المال فولّاه وأرسل معه الجيش فجاء به مغربا وأوقع بأهل تلمسان إيقاعا شديدا. ومكر بهم مكرا عتيدا. ثم توجه إلى المحال وصال عليهم إلى أن أفناهم وأجلاهم لتلمسان ثم لوهران ثم رجعهم لمحلهم على أن لا يرفعوا رؤوسهم وحلّ بهم ما هو مشهور على الألسنة ومذكور في كلام الفصحاء كابن سويكت وعدة ابن البشير (٢) وغيرهما ويحكى أنه قتل من أعيانهم في يوم واحد أربعين بطلا فضلا عن غيرهم. ويحكى أيضا أنه لما نزل بأرض المحال أتوه لينظروه وبأيديهم حجلة فقال لهم ما عملت هذه الحجلة المسكينة حتى أتيتوني بها بأيديكم ثم أطلقها فقالوا هذا الباي يقال له مسكينة ولقبوه بذلك بينهم ولمّا رجعوا لأهلهم واجتمعوا بمديرهم وصاحب الرأي منهم قالوا له الواقع وأخبروه بأنهم لقبوه مسكينة فقال لهم كفوا عن قولكم هذا وأطيعوه فإن هذا الباي هو مفنيكم وأن الحجلة تجعل لكم فجلة ، فكان الأمر كذلك. وجاءه المسارتية يوما لقتله فألفوه بالمحكمة فضربه أحدهم بكابوس بيده فنجاه الله من ذلك ثم أنه ظفر بهم فقتلهم ولم ينج منهم إلا اثنان وهما ابن الزرقا وعابد لصغرهما ولكون الله أراد بقاء النسل فيهما ففرّا لضريح سيدي محمد بن عودة بفليتة واستجارا به فعفا عنهما
__________________
(١) الموافق جانفي ١٧٤٧ م.
(٢) كل من ابن السويكت ، وعدة بن البشير ، من شعراء الملحون في هذه الفترة.