ابن ثمانية عشر سنة على ما قد قيل ، وقيل غير ذلك من الأقاويل وبقي في الملك ثلاثة أعوام غير كسر بالبيان. ولما أمره الباشا بالإتيان مع البرّ قال له أن ما بين الجزائر ووهران لا يسلكه حتى الذّبان ، وكيف تأمرني بالذهاب معه أيها الباشا ، فالسالك معه لا شك أن أمره يتلاشا (كذا) فأرسله في السفن في البحر ، وهو في غاية الحزم والعزم والصبر.
قال : وكان من خبره أنه لما قدم لوهران ، وجد الدرقاوي محاصرا لها من كل جهة ومكان ، والناس في ضيق شديد من طول الحصار ، وانقطاع الأقوات البرية باستلاء العدو على ضواحيها بالاشتهار ، فكان طلوعه على أهل البلد طلوع نجم سعيد ، يراصده رجل حكيم مفيد ، وقدومه عليهم صعدا ، وملاقاتهم إياه فوزا ومجدا ، يشمله قول الشاعر الحكيم الحاذق الماهر :
بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا |
|
وكوكب المجد في أفق السّما صعدا |
وكان للبلد وقت ذلك خمسة أبواب ألفاها كلها مغلوقة ، لا من يدخلها من أهل الضواحي ولا من يخرج منها من أهل البلد إلا بإذن وخلوقة ، فأمر بفتحها وحاله في عزم وشد ونادى المنادي من قبله أيها الناس من أراد الدخول والخروج فليدخل وليخرج ولا حرج في ذلك على أحد ، فتفسح الناس وانفرج المضيق وأمنت من حينه البراري والطريق ، وصار المسافر لا يحتاج إلى الرفيق ، وهبت رياح النصر وخفقت أعلامه وضاق متسع العدو وأظلمت عليه لياله (كذا) وأيامه ، وسئم مكثه بالمحل الذي هو فيه ومقامه ، وصار الحرب معه عند أهل البلد عيدا ، / وعدوهم بين أيديهم صيدا متعددا وفريدا ، والدّرقاوي يعد جنوده (ص ٢٥١) كل يوم بفتح وهران ، وهو مستحوذ عليه الشيطان ، ويمنيهم بالأماني الكاذبة ، ويطمعهم بأقواله الجالبة ، ويعدهم المواعيد العرقوبية ، ويقاولهم بالأقاويل الكذوبية ، إلى أن جاءه شيخه من المغرب وحضر لمقاتلة وشدة الحرب ، مع جيش تلميذه فرءا (كذا) بالعيان ، ما لا يقدر عليه بكلمة البهتان ، وأزعجه قتال المخزن وما فيه من الأعيان ، بعد أن أمرهم بحمل الشواقير والفيسان وأنهم في يومهم يدخلون وهران ، ويصيرونها بالهدم والتخريب مغارات للفيران ، فباء وشرذمته بغضب من الله ، ولحقهم الضرر من المخزن ما لم يلحقهم من أحد