وقصة ذلك اليوم مشهورة كبيرة ، نسئل (كذا) الله السلامة والعافية المطاعة ، والانقياد بالأتباع إلى ما اتفق عليه أمر الجماعة.
ثم ارتحل الباي في صبيحة الغد متوجها لتلمسان ، وهو في فرح وسرور بمخزنه وبه صار في أمن وأمان ، وجدّ السير إلى أن نزل بساحتها المتغلية ، فأتاه قائدها مع كبراء القرغلية ، وقصوا عليه مكابدة الأهوال ، وإساءة الحال ، وغلب الرجال ، وسطوة الأغوال ، والكل على باله ، ومطرق بمسمعه وحاله ، فأجابهم بكلام السياسة وخاطبهم بخطاب الرياسة ، قائلا لا يضركم الأمر العسير ، فإن الله تعالى قال في كتابه العزيز ، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ، وأن الله تعالى هو الفاعل المختار ، وكل شيء يجري على العبد فهو مقدّر عليه في سابق علم الله ويبرز بالمقدار ، وهذا أمر مقدّر لا محيد عنه من عاص أو مطيع ؛ وسيفرج الله تعالى بمنّه على الجميع ، وأنشد لسان حاله ، أبيات الشعراء التي تغنيهم عن مقاله :
إذا كان عون الله للمرء خادما |
|
تهيّأ له من كل صعب مراده |
وإن لم يكن عون من الله للفتى |
|
فأكثر ما يجني عليه اجتهاده |
(ص ٢٦٥) / وقول الآخر :
إذا لم يعنك الله فيما تريده |
|
فليس لمخلوق عليه سبيل |
وإن هو لم يرشدك في كل مسلك |
|
ضللت ولو أنّ السماك دليل |
وقول الآخر :
إذا أعانتك الأيام فارقد لها |
|
واشعل إذا شئت في الماء نارا |
وإذا خانتك الأيام فلا تتعب |
|
فتعبك في الدنيا إلّا خسارا |
وقول الآخر :
إذا أعطيت السعادة لم تبل |
|
ولو نظرت شزرا إليك القبائل |
لقتك على أكتاف أبطالها القنا |
|
وهابتك في أغمادهن المناصل |
وإن شدت الأعداء نحوك أسهما |
|
نص على أعقابهن المحافل |
ثم أنه أعطى الأمان لكبراء الحضر ، وأرسل إليهم ليأتوه ولا يخشوا من