بإرسال البنادق التي تصب كالفراش المبثوث فحصل الضرب من الجانبين ، آل فيه الأمر إلى أن قتل الحاج بن داوود وجرح الحاج المرسلي بغيرمين ، وذهب الحشم بالمظلومين لغريس ، وعولوا على القتال الذي حلّ بهم به كل شيء نحيس ، ولما رجعت البعوث لوهران وسمع الباي ما حلّ بقومه ازداد غضبه ومنه استبان ، وجمع جيشه من المخزن والأتراك ، وغزى أجواد غريس بطيّ وإدراك ، وقاتلهم إلى أن أثخن فيهم بالقتل الشديد ، ومكر بهم بالمكر العتيد ، فقتل من أعيانهم أربعة عشر فارسا كل منهم بقتل ذريع راكبا وجالسا ، بحيث قتل عشرة في دفعة واحدة ، واثنين منفردين في القتل بعناية جاهدة ولم يبق من هؤلاء الأربعة عشر إلا اثنان وهما قدور وعدة ولدا أبا نقاب ، فكان منهما من القتال ما لا يحيط به جواب ، ولا زالا في جولان الميدان إلى أن قتلا معا بإرسال العنان ، وقد مات الصحراوي والحاج ، فضلا عن غير الأعيان من الضعيف والوضيع والمحتاج ، (ص ٢٧٤) ولما قتل كبراءهم نزل عوّاجة ورهّب عليهم ورام صغراءهم / فبعثوا له على عتيد ، وجعل عليهم عقوبة بالمال خطيّة عظيمة ، وأذعنوا للطاعة ، الإذعان الذي ليس قيمة ، وقصتهم مشهورة ، وعلى الألسنة وكلام الفصحاء مذكورة.
حملة الباي على عريب
ثم أنه لما تمهد له الملك غزى بأمر الباشا عريبا (١) فصيّر رايسهم (كذا) ثريبا ، وهم قبيل عظيم بادية ولهم شوكة قوية ، وهم رعيةءاغة الجزائر وطنهم ما بين حمزة والدهوص في الحدّ بين باي قسنطينة وباي المدية. وسبب ذلك أن شيخ عريب خالف برأيهءاغة الجزائر لما أراد الله به أن يتلاشا فبلغ خبره ، ءاغة فأعلم بذلك الباشا فلم ير الباشا من ينتقم منهم ويهتكهم هتكا ، ويصيرهم هباء منثورا ويفتك بهم فتكا ، ويرجّعهم كالأرض إذا دكت دكا دكا ، إلّا باي الغرب لخبرة جنده بالطعن والضرب فإن مخزنه أشداء على العدو في الحروب ، وشدة
__________________
(١) عريب قبيلة ومشهورة مواطنها السفوح الجنوبية لجبال جرجرة حول برج حمزة الذي يدعى اليوم البويرة شرق مدينة الجزائر.