لحمله ، ولم أزل ملازما لنعشه في نقله ، إلى أن أوصلناه لوهران ، فرحمهالله الرحيم الرحمان وأثابه على فعله ثوابا عظيما ، وأعطاه أجرا جسيما. وإنما أتيت بهذه الحكاية دليلا على أنءاغة المخزن له التصرف في جميع الرعاية.
ثم أنّ الباي عليا خرج في أيامه ابن الشريف الدرقاوي من بني يزناسن ونزل بالأحرار ، وراودهم على القيام على الباي في الاشتهار ، فأنكرهم جلّهم ، ولبّاه قلّهم ، فسمع به الباي المذكور ، فامتلأ بالغيظ وطارت عنه الشرور وخرج حاركا إليه بأحوال مستقيمة ، فألفى محلة الطريق وهي محلّة الغرب بمينا فأخذها وصعد بها مع الوادي ومعه عساكر عظيمة ، وأمر جميع نواحي القبلة بالظعون معه والتقدم أمامه. بأهاليهم وأموالهم وهو في أثرهم مخفّقة عليه أعلامه. فامتثلوا أمره وأجابوا دعوته وحوره ، وذهبوا معه إلى أن نزلوا ببلاد الأحرار. فأفسد زرعهم وشتّت لهم الأقوار ، ولم ينازعه أحد ، ولم يكن له في ذلك حد ، وأنحلّ عقد الدرقاوي وانتثر وافترقت أتباعه ، وتركه من حينه منفردا وحيدا ذهبت عنه أشياعه وجاءت شيوخ الأحرار بأجمعها لدى الباي تلتمس منه الرضى ، فأكرم نزولهم وأعظم مثواهم وزال عنه الغضب وجاءه الرضى وذهب الدرقاوي إلى فقيق وأقام به أياما وقد ضاق به فسيحه / ثم رجع لبني يزناسن وهو محله الأول فخمدت ناره (ص ٢٩٣) وسكن ريحه.
ثم رجع الباي لوهران مسرورا في غاية المفاخر ، وذهبت محلة الطريق لموضعها ولما وصلت للجزائر ، قاموا على عمر باشا فقتلوه بالحمام ، باتفاق الأعيان ، وقالوا أنه لم تسعد عليه وبه الأيام والبلدان ، ولم يكن بوقته راحة ولا أمان. وقد مات بأيامه الرايس حميدو (١) المجاهد في سبيل الرحمان وغلت الأسعار بوقته وظهر الطاعون ، وقام النصارى الإنجليز عليهم بالجزائر ومنع الماعون. وذلك أن الإنقليز جاؤ للجزائر ودخلوا مرسيها بسفنهم على وجه الخديعة من تعرية رؤوسهم مثل المبايعة بغاية الصنيعة ، وبأيديهم
__________________
(١) قتل الرايس حميدو عام ١٨١٥ قرب رأس كاطا جنوب شرق إسبانيا على أيدي بحّارة أمريكيين هاجموا مركبه.