قال الزمخشري : لكن الحمل على الابتداء والخبر أوقع في المعنى ، لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم ، وأثبت لموافقة قراءة العامة. انتهى.
و : لو ، هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابها محذوف ، ومفعول : تود ، محذوف ، والتقدير : تود تباعد ما بينهما لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا لسرت بذلك ، وهذا الإعراب والتقدير هو على المشهور في : لو ، و : أن ، وما بعدها في موضع مبتدأ على مذهب سيبويه ، وفي موضع فاعل على مذهب أبي العباس.
وأمّا على قول من يذهب إلى أن : لو ، بمعنى : أن ، وأنها مصدرية فهو بعيد هنا لولايتها أن وأن مصدرية ، ولا يباشر حرف مصدري حرفا مصدريا إلّا قليلا ، كقوله تعالى (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (١) والذي يقتضيه المعنى أن : لو أن ، وما يليها هو معمول : لتودّ ، في موضع المفعول به. قال الحسن : يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا ، ذلك معناه.
ومعنى أمدا بعيدا : غاية طويلة ، وقيل : مقدار أجله ، وقيل : قدر ما بين المشرق والمغرب.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ). كرر التحذير للتوكيد والتحريض على الخوف من الله بحيث يكونون ممتثلي أمره ونهيه.
(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) لما ذكر صفة التخويف وكررها ، كان ذلك مزعجا للقلوب ، ومنبها على إيقاع المحذور مع ما قرن بذلك من اطلاعه على خفايا الأعمال واحضاره لها يوم الحساب ، وهذا هو الاتصاف بالعلم والقدرة اللذين يجب أن يحذر لأجلهما ، فذكر صفة الرحمة ليطمع في إحسانه ، وليبسط الرجاء في أفضاله ، فيكون ذلك من باب ما إذا ذكر ما يدل على شدّة الأمر ، ذكر ما يدل على سعة الرحمة ، كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) وتكون هذه الجملة أبلغ في الوصف من جملة التخويف ، لأن جملة التخويف جاءت بالفعل الذي يقتضي المطلق ولم يتكرر فيها اسم الله ، وجاء المحذر مخصوصا بالمخاطب فقط ، وهذه الجملة جاءت اسمية ، فتكرر فيها اسم الله ، إذ الوصف محتمل ضميره تعالى ، وجاء المحكوم به على وزن فعول المقتضي للمبالغة والتكثير ، وجاء بأخص ألفاظ الرحمة وهو : رؤوف ، وجاء متعلقه عاما ليشمل المخاطب
__________________
(١) سورة الذاريات : ٥١ / ٢٣.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٥ والأعراف : ٧ / ١٦٧.