لم يمسسهم سوء في موضع الحال ، أي سالمين. وبنعمة حال أيضا ، لأن الباء فيه باء المصاحبة ، أي : انقلبوا متنعمين سالمين. والجملة الحالية المنفية بلم المشتملة على ضمير ذي الحال ، يجوز دخول الواو عليها ، وعدم دخولها. فمن الأوّل قوله تعالى : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَ) (١) ولم يوح إليه شيء ، وقول الشاعر :
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم |
|
أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل |
ومن الثاني قوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً) (٢) وقول قيس بن الأسلت :
واضرب القوس يوم الوغى |
|
بالسيف لم يقصر به باعي |
ووهم الأستاذ أبو الحسن بن خروف في ذلك فزعم : أنها إذا كانت الجملة ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضميرا ، ولم يكن فيها. والمستعمل في لسان العرب ما ذكرناه.
واتباعهم رضوان الله هو بخروجهم إلى العدو ، وجراءتهم ، وطواعيتهم للرسول صلىاللهعليهوسلم.
وختمها بقوله : والله ذو فضل عظيم ، مناسب لقوله : (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) (٣) تفضل عليهم بالتيسير والتوفيق في ما فعلوه ، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عن الخروج حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء من الثواب في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا. وروي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ، ورضي عنهم. وهذه عاقبة تفويض أمرهم إليه تعالى ، جازاهم بنعمته ، وفضله ، وسلامتهم واتباعهم رضاه.
(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ما : هي الكافة لأنّ عن العمل. وهي التي يزعم معظم أهل أصول الفقه أنّها إذا لم تكن موصولة أفادت مع أنّ الحصر. وذلكم : إشارة إلى الركب المثبط. وقيل : المراد بالشيطان نعيم بن مسعود ، أو أبو سفيان. فعلى هذه الأقوال تكون الإشارة إلى أعيان. وقيل : ذلكم إشارة إلى جميع ما جرى من أخبار الركب العبديين عن رسالة أبي سفيان ، وتحميل أبي سفيان ذلك الكلام ، وجزع من جزع منه من مؤمن أو متردّد. فعلى هذا تكون الإشارة إلى معان ، ولا بد
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٣.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٧٤.