والنجاة من الشرّ على التنحية من النار ودخول الجنة ، لأن من لم ينح عن النار بل أدخلها ، وإن كان سيدخل الجنة لم يفز كمن يدخلها من أهل الكبائر. ومن نحى عنها ولم يدخل الجنة كأصحاب الأعراف ، لم يفز أيضا. وروي في الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، قيل : فاز معناه نجا. وقيل : سبق. وقيل : غنم.
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) المتاع : ما يستمتع به من آلات وأموال وغير ذلك. وفسّره عكرمة : بالفأس ، والقصعة ، والقدر. وفسره الحسن فقال : هو كخضرة النبات ، ولعب البنات لا حاصل له يلمع لمع السراب ، ويمر مرّ السحاب ، وهذا من عكرمة والحسن على سبيل التمثيل. قال الزمخشري : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته ، والشيطان هو المدلس. الغرور انتهى. وقال سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. وقال عكرمة أيضا : متاع الغرور القوارير التي لا بد لها من الانكسار والفساد ، فكذلك أمر الدنيا كله. وهذا تشبيه من عكرمة والغرور الخدع والترجئة بالباطل. وقال عبد الرحمن بن سابط : متاع الغرور كزاد الراعي يزود الكف من التمر والشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن ، يعني : أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره. ومن كلام العرب عش ولا تغتر. أي : لا تجتزىء بما لا يكفيك. وقال ابن عرفة : الغرور ما رأيت له ظاهرا حسنا وله باطن مكروه أو مجهول ، والشيطان غرور لأنه يحمل على مخبآت الناس ووراء ذلك ما يسوء. قال : ومن هذا بيع الغرور ، وهو ما كان له ظاهر بيع وباطن مجهول. وقال أبو مسلم الأصبهاني : وما الحياة الدنيا بحذف المضاف تقديره : وما نفع الحياة الدنيا إلا نفع الغرور. أي : نفع يغفل عن النفع الحقيقي لدوامه ، وهو النفع في الحياة الأخروية. وإضافة المتاع إلى الغرور أن جعل الغرور جمعا فهو كقولك : نفع الغافلين. وإن جعل مصدرا فهو كقولك : نفع إغفال ، أي إهمال فيورث الغفلة عن التأهب للآخرة. وقرأ عبد الله بن عمر : المغرور بفتح الغين ، وفسّر بالشيطان ويحتمل أن يكون فعولا بمعنى مفعول ، أي : متاع المغرور ، أي : المخدوع.
وتضمنت هذه الآيات التجنيس المغاير في قوله : الذين قالوا : والمماثل في : قالوا ، وسنكتب ما قالوا ، وفي : كذبوك فقد كذب. والطباق في : فقير وأغنياء ، وفي : الموت