مجاهد ، والزهري ، وأيوب السختياني ، وأبو السمال : تذخرون ، بذال ساكنة وخاء مفتوحة. وقرأ أبو شعيب السوسي ، في رواية عنه : وما تذدخرون ، بذال ساكنة ودال مفتوحة من غير إدغام ، وهذا الفك جائز. وقراءة الجمهور بالإدغام أجود ، ويجوز جعل الدال ذالا ، والإدغام فتقول : اذخر ، بالذال المعجمة المشددة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ظاهر هذه الجملة أنها من كلام عيسى لاحتفافها بكلامه من قبلها ومن بعدها ، حكاه الله عنه. وقيل : هو من كلام الله تعالى ، استئناف صيغته صيغة الخبر ، ومعناه التوبيخ والتقريع ، وأشير بذلك إلى ما تقدم من جعل الطين طائرا ، والإبراء والإحياء والإنباء.
وتقدم أن في مصحف ابن مسعود : آيات ، على الجمع ، فمن أفرد أراد الجنس وهو صالح للقليل والكثير ، ويعين المراد القرائن : اللفظية ، والمعنوية ، والحالية ، ومن جمع فعلى الأصل ، إذ هي : آيات ، وهي : آية في نفسها ، آمنوا أو كفروا ، فيحتمل أن يكون ثمّ صفة محذوفة حتى يتجه التعليق بهذا الشرط ، أي : لآية نافعة هادئة لكم إن آمنتم ، ويكون خطابا لمن لم يؤمن بعد ، وإن كان خطابا لمن آمن فذلك على سبيل التثبيت وتطمين النفس وهزها. كما تقول لإبنك : أطعني إن كنت ابني ، ومعلوم أنه ابنك ، ولكن تريد أن تهزه بذكر ما هو محقق. ذكر ما جعل معلقا به ما قبله على سبيل أن يحصل.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) عطف و : مصدقا ، على قوله : بآية إذ الباء فيه للحال ، ولا تكون للتعدية لفساد المعنى ، فالمعنى : وجئتكم مصحوبا بآية من ربكم ، ومصدقا لما بين يدي. ومنعوا أن يكون : ومصدقا ، معطوفا على : رسولا إلى بني إسرائيل ، ولا على : وجيها ، لما يلزم من كون الضمير في قوله : لما بين يدي ، غائبا. فكان يكون : لما بين يديه ، وقد ذكرنا أنه يجوز في قوله : ورسولا ، أن يكون منصوبا بإضمار فعل ، أي : وأرسلت رسولا ، فعلى هذا التقدير يكون : ومصدقا ، معطوفا على : ورسولا. ومعنى تصديقه للتوراة الإيمان بها وإن كانت شريعته تخالف في أشياء. قال وهب بن منبه : كان يسبت ويستقبل بيت المقدس.
(وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) قال ابن جريج : أحل لهم لحوم الإبل والشحوم. وقال الربيع : وأشياء من السمك وما لا ضئضئة له من الطير ، وكان ذلك في التوراة محرما.