منهم ، فكنى عن إخراجه منهم وتخليصه بالتطهير ، وأتى بلفظ الظاهر لا بالضمير ، وهو : الذين كفروا ، إشارة إلى علة الدنس والنجس وهو الكفر ، كما قال : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (١) وكما جاء في الحديث : «المؤمن لا ينجس» فجعل علة تطهيره الإيمان.
وقيل : مطهرك من أذى الكفرة. وقيل : من الكفر والفواحش. وقيل : مما قالوه فيك وفي أمك. وقيل : ومطهرك أي مطهر بك وجه الناس من نجاسة الكفر والعصيان.
وقال الراغب : متوفيك : آخذك عن هواك ، ورافعك إلي عن شهواتك ، ولم يكن ذلك رفعا مكانيا وإنما هو رفعة المحل ، وإن كان قدر رفع إلى السماء ، وتطهيره من الكافرين إخراجه من بينهم. وقيل : تخليصه من قتلهم ، لأن ذلك نجس طهره الله منه. قال أبو مسلم : التخليص والتطهير واحد ، إلّا أن لفظ التطهير فيه رفعة للمخاطب ، كما أن الشهود والحضور واحد ، وفي الشهود رفعة. ولهذا ذكره الله في المؤمنين ، وذكر الحضور والإحضار في الكافرين.
(وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) الكاف : ضمير عيسى كالكاف السابقة. وقيل : هو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو من تلوين الخطاب. انتهى هذا القول ، ولا يظهر. ومعنى اتبعوك : أي في الدين والشريعة ، وهم المسلمون. لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع.
(فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعلونهم بالحجة ، وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف ، والذين كفروا هم الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى ، قاله الزمخشري ، بتقديم وتأخير في كلامه.
فالفوقية هنا بالحجة والبرهان ، قاله الحسن. أو : بالعز والمنعة ، قاله ابن زيد. فهم فوق اليهود ، فلا تكون لهم مملكة كما للنصارى. فالآية ، على قوله ، مخبرة عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة ، فخصص ابن زيد المتبعين والكافرين ، وجعله حكما دنيويا لا فضلية فيه للمتبعين الكفار ، بل كونهم فوق اليهود عقوبة لليهود.
وقال الجمهور : بعموم المتبعين ، فتدخل في ذلك أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، نص عليه قتادة ، وبعموم الكافرين.
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٢٨.