منا ، وما ردّ به أبو عليّ على أبي إسحاق ليس بمتجه. لأن قوله : (لِمَ تَلْبِسُونَ) ليس نصا على أن المضارع أريد به الماضي حقيقة ، إذ قد ينكر المستقبل لتحقق صدوره ، لا سيما على الشخص الذي تقدم منه وجود أمثاله. ولو فرضنا أنه ماض حقيقة ، فلا ردّ فيه على أبي إسحاق ، لأنه كما قررنا قبل : إذا لم يمكن سبك مصدر مستقبل من الجملة ، سبكناه من لازم الجملة.
وقد حكى أبو الحسن بن كيسان نصب الفعل المستفهم عنه محقق الوقوع ، نحو : أين ذهب زيد فنتبعه؟ وكذلك في : كم مالك فنعرفه؟ و : من أبوك فنكرمه؟ لكنه يتخرج على ما سبق ذكره من أن التقدير : ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا. و : ليكن منك إعلام بقدر مالك فمعرفة منا. و : ليكن منك إعلام بأبيك فاكرام منا له.
وقرأ عبيد بن عمير : لم تلبسوا ، وتكتموا ، بحذف النون فيهما ، قالوا : وذلك جزم ، قالوا : ولا وجه له سوى ما ذهب إليه شذوذ من النحاة في إلحاق : لم بلم في عمل الجزم. وقال السجاوندي : ولا وجه له إلّا أن : لم ، تجزم الفعل عند قوم كلم. انتهى. والثابت في لسان العرب أن : لم ، لا ينجزم ما بعدها ، ولم أر أحدا من النحويين ذكر أن لم تجري مجرى : لم في الجزم إلا ما ذكره أهل التفسير هنا ، وإنما هذا عندي من باب حذف النون حالة الرفع ، وقد جاء ذلك في النثر قليلا جدا ، وذلك في قراءة أبي عمرو ، ومن بعض طرقه قالوا : ساحران تظاهرا ، بتشديد الظاء ، أي أنتما ساحران تتظاهران فأدغم التاء في الظاء وحذف النون ، وأما في النظم ، فنحو : قول الراجز :
أبيت أسرى وتبيتي تدلكي
يريد : وتبيتين تدلكين. وقال :
فإن يك قوم سرهم ما صنعتمو |
|
ستحتلبوها لاقحا غير باهل |
والظاهر أنه أنكر عليهم لبس الحق بالباطل ، وكتم الحق ، وكأن الحق منقسم إلى قسمين : قسم خلطوا فيه الباطل حتى لا يتميز ، وقسم كتموه بالكلية حتى لا يظهر.
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية تنعي عليهم ما التبسوا به من لبس الحق بالباطل وكتمانه ، أي : لا يناسب من علم الحق أن يكتمه ، ولا أن يخلطه بالباطل ، والسؤال عن السبب سؤال عن المسبب ، فإذا أنكر السبب فبالأولى أن ينكر المسبب ، وختمت الآية قبل