وأما تعدية أنزل ، هنا : بعلى ، وفي البقرة بإلى. فقال ابن عطية : الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها.
وقال الزمخشري : فإن قلت لم عدّى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء ، وفيما تقدّم من مثلها بحرف الانتهاء؟.
قلت لوجود المعنيين جميعا ، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهى إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر.
وقال الراغب : إنما قال هنا : على ، لأن ذلك لما كان خطابا للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشر كان لفظ على المختص بالعلوّ أولى به ، وهناك ، لما كان خطابا للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان لفظ : إلى ، المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : أنزل عليه إنما على ما أمر المنزل عليه أن يبلغ غيره ، وأنزل إليه على ما خص به في نفسه. وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) (١) وقال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (٢) خص هنا : بإلى ، لما كان مخصوصا بالذكر الذي هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب. انتهى كلامه.
وذكر الزمخشري أن : من قال هذا الفرق فقد تعسف ، قال : ألا ترى إلى قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٣) (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) (٤) وإلى قوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) (٥)؟ انتهى.
وأما إعادة لفظ : وما أوتي ، فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاما ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز ، ولما كان الخطاب هنا خاصا اكتفى فيه بالإيجاز.
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الإسلام هنا قيل هو الاستسلام إلى الله
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥١.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٤٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٤. والنساء : ٤ / ٦٠ و ١٦٢ والرعد : ١٣ / ٣٦.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٠٥. والمائدة : ٥ / ٤٨ ، والعنكبوت : ٢٩ / ٤٧ والزمر : ٣٩ / ٢.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ٧٢.