جواب الشرط الأول محذوف تقديره : فاتبعوه. والصحيح أن الشرط الثاني وجوابه هو جواب الشرط الأول. وتقدمت هذه الأقوال الثلاثة عند الكلام على قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) الآية. والهمزة في (أَكَفَرْتُمْ) للتقرير والتوبيخ والتعجيب من حالهم. والخطاب في أكفرتم إلى آخره يتفرع على الاختلاف في الذين اسودت وجوههم ، فإن كانوا الكفار فالتقدير : بعد أن آمنتم حين أخذ عليكم الميثاق وأنتم في صلب آدم كالذرّ ، وإن كانوا أهل البدع فتكون البدعة المخرجة عن الإيمان. وإن كانوا قريظة والنضير فيكون إيمانهم به قبل بعثه ، وكفرهم به بعده ، أو إيمانهم بالتوراة وما جاء فيها من نبوته ووصفه والأمر باتباعه ، وإن كانوا المنافقين فالمراد بالكفر كفرهم بقلوبهم ، وبالإيمان الإيمان بألسنتهم. وإن كانوا الحرورية أو المرتدين فقد كان حصل منهم الإيمان حقيقة وفي قوله : (أَكَفَرْتُمْ). قالوا : تلوين الخطاب وهو أحد أنواع الالتفات ، لأن قوله : فأما الذين اسودت غيبة ، وأ كفرتم مواجهة بما كنتم ، الباء سببية وما مصدرية.
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) انظر تفاوت ما بين التقسيمين هناك جمع لمن اسودّت وجوههم بين التعنيف بالقول والعذاب ، وهنا جعلهم مستقرّين في الرحمة ، فالرّحمة ظرف لهم وهي شاملتهم. ولما أخبر تعالى أنّهم مستقرّون في رحمة الله بيّن أنّ ذلك الاستقرار هو على سبيل الخلود لا زوال منه ولا انتقال ، وأشار بلفظ الرّحمة إلى سابق عنايته بهم ، وأن العبد وإن كثرت طاعته لا يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى. وقال ابن عباس : المراد بالرحمة هنا الجنة ، وذكر الخلود للمؤمن ولم يذكر ذلك للكافر إشعارا بأنّ جانب الرحمة أغلب. وأضاف الرحمة هنا إليه ولم يضف العذاب إلى نفسه ، بل قال : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) (١) ولما ذكر العذاب علّله بفعلهم ، ولم ينص هنا على سبب كونهم في الرحمة. وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر : فأما الذين اسوادت ، وأما الذين ابياضت بألف. وأصل افعلّ هذا افعلل يدل ، على ذلك اسوددت واحمررت ، وأن يكون للون أو عيب حسي ، كأسود ، وأعوج ، واعور. وأن لا يكون من مضعف كاحم ، ولا معتل لام كألمى ، وأن لا يكون للمطاوعة. وندر نحو : انقضّ الحائط ، وابهار الليل ، وإشعار الرجل بفرق شعره ، وشذا رعوى ، لكونه معتل اللام بغير لون ولا عيب مطاوعا لرعوته بمعنى كففته. وأما دخول الألف فالأكثر أن يقصد عروض المعنى إذا جيء بها ، ولزومه إذا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٦.