غير مدبر عنه. وهذه الجملة جاءت كالمؤكدة للجملة قبلها ، إذ تضمنت الإخبار أنهم لا تكون لهم غلبة ولا قهر ولا دولة على المؤمنين ، لأنّ حصول ذلك إنما يكون سببه صدق القتال والثبات فيه ، أو النصر المستمد من الله ، وكلاهما ليس لهم. وأتى بلفظ الإدبار لا بلفظ الظهور ، لما في ذكر الإدبار من الإهانة دون ما في الظهور ، ولأن ذلك أبلغ في الانهزام والهرب. ولذلك ورد في القرآن مستعملا دون لفظ الظهور لقوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) (٢) ثم لا ينصرون : هذا استئناف إخبار أنّهم لا ينصرون أبدا. ولم يشرك في الجزاء فيجزم ، لأنه ليس مرتبا على الشرط ، بل التولية مترتبة على المقاتلة. والنصر منفى عنهم أبدا سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا ، إذ منع النصر سببه الكفر. فهي جملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء ، كما أن جملة الشرط والجزاء معطوفة على لن يضروكم إلا أذى. وليس امتناع الجزم لأجلهم كما زعم بعضهم زعم أن جواب الشرط يقع عقيب المشروط. قال : وثم للتراخي ، فلذلك لم تصلح في جواب الشرط. والمعطوف على الجواب كالجواب وما ذهب إليه هذا الذاهب خطأ ، لأن ما زعم أنه لا يجوز قد جاء في أفصح كلام. قال تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٣) فجزم المعطوف بثم على جواب الشرط. وثمّ هنا ليست للمهلة في الزمان ، وإنما هي للتراخي في الإخبار. فالإخبار بتوليهم في القتال وخذلانهم والظفر بهم أبهج وأسرّ للنفس. ثم أخبر بعد ذلك بانتفاء النصر عنهم مطلقا. وقال الزمخشري : التراخي في المرتبة ، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليهم الإدبار. (فإن قلت) : ما موقع الجملتين ، أعني منهم : المؤمنون ولن يضروكم؟ (قلت) : هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند إجراء ذكر أهل الكتاب ، كما يقول القائل : وعلى ذكر فلان فإن من شأنه كيت وكيت ، ولذلك جاء من غير عاطف.
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) تقدم شرح هذه الجملة ، وهي وصف حال تقررت على اليهود في أقطار الأرض قبل مجيء الإسلام. قال الحسن : جاء الإسلام والمجوس تجبي اليهود الجزية ، وما كانت لهم غيرة ومنعه إلا بيثرب وخيبر وتلك الأرض ، فأزالها بالإسلام ولم تبق لهم راية في الأرض.
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ٤٥.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ١٦.
(٣) سورة محمد : ٤٧ / ٣٨.