(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) (١) وبعضهم يسميه : المذهب الكلامي. ومنه قول الشاعر :
جرى القضاء بما فيه فإن تلم |
|
فلا ملام على ما خط بالقلم |
وكتب : بمعنى فرض ، أو قضى وحتم ، أو خط في اللوح ، أو كتب ذلك الملك عليهم وهم أجنة ، أقوال. ومعنى الآية : أنه لو تخلفتم في البيوت لخرج من حتم عليه القتل إلى مكان مصرعه فقتل فيه ، وهذا رد على قول معتب ، ودليل على أن كل امرئ له أجل واحد لا يتعداه. فإن قيل : فهو الأجل الذي سبق له في الأزل وإلّا مات لذلك الأجل ، ولا فرق بين موته وخروج روحه بالقتل ، أو بأي أسباب المرض ، أو فجأه من غير مرض هو أجل واحد لكل امرئ وإن تعددت الأسباب. وقد تكلم الزمخشري هنا بألفاظ مسهبة على عادته. فقال : لو كنتم في بيوتكم يعني ـ من علم الله أنه يقتل ويصرع في هذه المصارع ـ وكتب ذلك في اللوح المحفوظ ، لم يكن بد من وجوده. فلو قعدتم في بيوتكم لبرز من بينكم الذين علم الله أنهم يقتلون إلى مضاجعهم وهي مصارعهم ، ليكون ما علم أنه يكون. والمعنى : أن الله كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين ، وكتب مع ذلك أنهم الغالبون لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم ، وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله. وإنما ينكبون به في بعض الأوقات. تمحيص لهم ، وترغيب في الشهادة ، وحرصهم على الشهادة مما يحرضهم على الجهاد فتحصل الغلبة. انتهى كلامه. وهو نوع من الخطابة والمعنى في الآية واضح جدا لا يحتاج إلى هذا التطويل.
وقرأ الجمهور : لبرز ، ثلاثيا مبنيا للفاعل. أي لصاروا في البراز من الأرض. وقرأ أبو حيوة : لبرّز مبنيا للمفعول مشدّد الراء ، عدي برز بالتضعيف. وقرأ الجمهور : كتب مبنيا للمفعول ، ورفع القتل. وقرىء : كتب مبنيا للفاعل ، ونصب القتل. وقرأ الحسن والزهري : القتال مرفوعا. وتحتمل هذه القراءة الاستغناء عن المنافقين ، أي : لو تخلفتم أنتم لبرز المطيعون المؤمنون الذين فرض عليهم القتال ، وخرجوا طائعين إلى مواضع استشهادهم ، فاستغنى بهم عنكم.
(وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) تقدم معنى الابتلاء والتمحيص. فقيل : المعنى إنّ الله فرض عليكم القتال ولم ينصركم يوم أحد ليختبر
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٨١.