أي غما على ما فاتهم ، إذ لم يبلغوا مقصدهم من التثبيط عن الجهاد. وظاهر جعل الحسرة وحصولها أنه يكون ذلك في الدنيا وهو الغم الذي يلحقهم على ما فات من بلوغ مقصدهم. وقيل : الجعل يوم القيامة لما هم فيه من الخزي والندامة ، ولما فيه المسلمون من النعيم والكرامة. وأسند الجعل إلى الله ، لأنه هو الذي يضع الغم والحسرة في قلوبهم عقوبة لهم على هذا القول الفاسد.
(وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) رد عليهم في تلك المقالة الفاسدة ، بل ذلك بقضائه الحتم والأمر بيده. قد يحيي المسافر والغازي ، ويميت المقيم والقاعد. وقال خالد بن الوليد عنه موته : ما فيّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة ، وها أنا ذا أموت كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء. وقيل : هذه الجملة متعلقة بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا) (١) أي : لا تقولوا مثل قولهم ، فإن الله هو المحيي ، من قدر حياته لم يقتل في الجهاد ، والمميت من قدر له الموت لم يبق وإن لم يجاهد ، قاله : الرازي. وقال أيضا : المراد منه إبطال شبهتهم ، أي لا تأثير لشيء آخر في الحياة والموت ، لأن قضاءه لا يتبدل. ولا يلزم ذلك في الأعمال ، لأنّ له أن يفعل ما يشاء انتهى. ورد عليه هذا الفرق بين الموت والحياة وسائر الأعمال ، لأن سائر الأعمال مفروغ منها كالموت والحياة ، فما قدر وقوعه منها فلا بد من وقوعه ، وما لم يقدر فيستحيل وقوعه ، فإذا لا فرق.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قال الراغب : علق ذلك بالبصر لا بالسمع ، وإن كان الصادر منهم قولا مسموعا لا فعلا مرئيا. لما كان ذلك القول من الكافر قصدا منهم إلى عمل يحاولونه ، فخص البصر بذلك كقولك لمن يقول شيئا وهو يقصد فعلا يحاوله : أنا أرى ما تفعله. وقرأ ابن كثير والأخوان بما يعملون بالياء على الغيبة ، وهو وعيد للمنافقين. وقرأ الباقون بالتاء على خطاب المؤمنين ، كما قال : لا تكونوا ، فهو توكيد للنهي ووعيد لمن خالف ، ووعد لمن امتثل.
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) تقدم قبل هذا تكذيب الكفار في دعواهم : أنّ من مات أو قتل في سفر وغزو لو كان أقام ما مات وما قتل ، ونهى المؤمنين عن أن يقولوا مثل هذه المقالة ، لأنها سبب للتخاذل عن الغزو وأخبر في هذه الجملة أنه أن تم ما يحذرونه من القتل في سبيل الله أو الموت فيه ، فما
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٦.