ولذلك عز على عليّ وأهل البيت كونهم استبد عليهم في المشورة في خلافة أبي بكر الصديق رضياللهعنهم أجمعين ، وفيما ذا أمر أن يشاورهم. قيل : في أمر الحرب والدنيا وقيل : في الدين والدنيا ما لم يرد نص ، ولذلك استشار في أسرى بدر.
وظاهر هذه الأوامر يقتضي أنه أمر بهذه الأشياء ، ولا تدل على تريب زماني. وقال ابن عطية : أمر بتدريج بليغ ، أمر بالعفو عنهم فيما يخصه ، فإذا صاروا في هذه الدرجة أمر بالاستغفار فيما لله ، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلا للاستشارة في الأمور انتهى. وفيه بعض تلخيص ، ولا يظهر هذا التدريج من اللفظ ، ولكن هذه حكمة تقديم هذه الأوامر بعضها على بعض. أمر أولا بالعفو عنهم ، إذ عفوه عنهم مسقط لحقه ، ودليل على رضاه صلىاللهعليهوسلم عليهم ، وعدم مؤاخذته. ولما سقط حقه بعفوه استغفر لهم الله ليكمل لهم صفحه وصفح الله عنهم ، ويحصل لهم رضاه صلىاللهعليهوسلم ورضا الله تعالى. ولما زالت عنهم التبعات من الجانبين شاورهم إيذانا بأنهم أهل للمحبة الصادقة والخلة الناصحة ، إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان معتقدا فيه المودة والعقل والتجربة. والظاهر أن قوله : فاعف عنهم أمر له بالعفو. وقيل : معناه سلني العفو عنهم لأعفو عنهم ، والمعفو عنه والمسئول الاستغفار لأجله. قيل : فرارهم يوم أحد ، وترك إجابته ، وزوال الرّماة عن مراكزهم. وقيل : ما يبدون من هفواتهم وألسنتهم من السقطات التي لا يعتقدونها ، كمناداتهم من وراء الحجرات. وقول بعضهم : إن كان ابن عمتك وجر رداءه حتى أثر في عنقه ، وغير ذلك مما وقع منهم على سبيل الهفوة. ومن غريب النقول والمقول وضعيفه الذي ينزه عنه القرآن قول بعضهم : أن قوله تعالى : وشاورهم في الأمر ، أنه من المقلوب. والمعنى : وليشاوروك في الأمر. وذكر المفسرون هنا جملة مما ورد في المشاورة من الآيات والأحاديث والآثار. وذكر ابن عطية : إن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ، ومن لا يستشير أهل العلم والدّين فعزله واجب ، هذا ما لا خلاف له. والمستشار في الدّين عالم دين ، وقلّ ما يكون ذلك إلا في عاقل. قال الحسن : ما كمل دين امرئ لم يكمل عقله ، وفي الأمور الدنيوية عاقل مجرب واد في المستشير انتهى كلام ابن عطية ، وفيه بعض تلخيص. وقراءة الجمهور : في الأمر ، وليس على العموم. إذ لا يشاور في التحليل والتحريم. والأمر : اسم جنس يقع للكل وللبعض. وقرأ ابن عباس : في بعض الأمر (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي : فإذا عقدت قلبك على أمر بعد الاستشارة فاجعل تفويضك فيه إلى الله تعالى ، فإنه العالم بالأصلح لك ، والأرشد لأمرك ، لا يعلمه من أشار عليك. وفي هذه الآية دليل على المشاورة وتخمير