وهي بمعنى جعل التي تتعدى إلى اثنين ، وهذا عكس المنقول في النحو وهو : أنّ جعل يكون بمعنى خلق ، فيتعدى لواحد. أما أنّ خلق يكون بمعنى جعل فيتعدى لاثنين ، فلا أعلم أحدا ممن له معرفة ذهب إلى ذلك. والباطل : الزائل الذاهب ومنه :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
والأحسن من أعاريبه انتصابه على الحال من هذا ، وهي حال لا يستغنى عنها نحو قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (١) لا يجوز في هذه الحال أن تحذف لئلا يكون المعنى على النفي ، وهو لا يجوز.
ولما تضمنت هذه الجملة الإقرار بأنّ هذا الخلق البديع لم يكن باطلا ، والتنبيه على أن هذا كلام أولي الألباب الذاكرين الله على جميع أحوالهم والمتفكرين في الخلق ، دلّ على أن غيرهم من أهل الغفلة والجهالة يذهبون إلى خلاف هذه المقالة ، فنزهوه تعالى عن ما يقول أولئك المبطلون من ما أشار إليه تعالى في قوله : لاعبين ، وفي قوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (٢) واعترض بهذا التنزيه المتضمن براءة الله من جميع النقائص وأفعال المحدثين. بين ذلك الإقرار وبين رغبتهم إلى ربهم بأن يقيهم عذاب النار ، ولم يكن لهم همّ في شيء من أحوال الدنيا ، ولا اكتراث بها ، إنما تضرّعوا في سؤال وقايتهم العذاب يوم القيامة. وهذا السؤال هو نتيجة الذكر والفكر والإقرار والتنزيه. والفاء في : فقنا للعطف ، وترتيب السؤال على الإقرار المذكور. وقيل : لترتيب السؤال على ما تضمنه سبحان من الفعل ، أي : نزهناك عما يقول الجاهلون فقنا. وأبعد من ذهب إلى أنه للترتيب على ما تضمن النداء.
(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) هذه استجارة واستعادة. أي : فلا تفعل بنا ذلك ، ولا تجعلنا ممن يعمل بعملها. ومعنى أخزيته : فضحته. من خزى الرجل يخزى خزيا ، إذا افتضح. وخزاية إذا استحيا الفعل واحد واختلف في المصدر فمن الافتضاح خزي ، ومن الاستحياء خزاية. ومن ذلك (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) (٣) أي لا تفضحون. وقيل : المعنى أهنته. وقال المفضل : أهلكته. ويقال : خزيته وأخزيته ثلاثيا ورباعيا ، والرباعي أكثر وأفصح. وقال الزجاج : المخزي في اللغة هو المذل المحقور بأمر قد لزمه ،
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٦.
(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١١٥.
(٣) سورة هود : ١١ / ٧٨.