ثم بالمبني للفاعل ، فتتخرج هذه القراءة على أن الواو لا تدل على الترتيب ، فيكون الثاني وقع أولا ويجوز أن يكون ذلك على التوزيع فالمعنى : قتل بعضهم وقاتل باقيهم. وقرأ عمر بن عبد العزيز : وقتلوا وقتلوا بغير ألف ، وبدأ ببناء الأول للفاعل ، وبناء الثاني للمفعول ، وهي قراءة حسنة في المعنى ، مستوفية للحالين على الترتيب المتعارف. وقرأ محارب بن دثار : وقتلوا بفتح القاف وقاتلوا. وقرأ طلحة بن مصرف : وقتلوا وقاتلوا بضم قاف الأولى ، وتشديد التاء ، وهي في التخريج كالقراءة الأولى. وقرأ أبو رجاء والحسن :
(وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) بتشديد التاء والبناء للمفعول ، أي قطعوا في المعركة.
(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) لأكفرن : جواب قسم محذوف ، والقسم وما تلقى به خبر عن قوله : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) (١) وفي هذه الآية ونظيرها من قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) (٢) (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (٣) وقول الشاعر :
جشأت فقلت اللذ خشيت ليأتين |
|
وإذا أتاك فلات حين مناص |
رد على أحمد بن يحيى ثعلب إذ زعم أن الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ لا تكون قسمية.
(ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) انتصب ثوابا على المصدر المؤكد ، وإن كان الثواب هو المثاب به ، كما كان العطاء هو المعطى. واستعمل في بعض المواضع بمعنى المصدر الذي هو الإعطاء ، فوضع ثوابا موضع إثابة ، أو موضع تثويبا ، لأنّ ما قبله في معنى لأثيبنهم. ونظيره صنع الله ووعد الله. وجوّز أن يكون حالا من جنات أي : مثابا بها ، أو من ضمير المفعول في : (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) (٤) أي مثابين. وأن يكون بدلا من جنات على تضمين ، ولأدخلنهم معنى : ولأعطينهم. وأن يكون مفعولا بفعل محذوف يدل عليه المعنى أي : يعطيهم ثوابا. وقيل : انتصب على التمييز. وقال الكسائي : هو منصوب على القطع ، ولا يتوجه لي معنى هذين القولين هنا.
ومعنى : من عند الله ، أي من جهة فضل الله ، وهو مختص به ، لا يثيبه غيره ، ولا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٥.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٤١.
(٣) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٦٩.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٥.