القول الذي قبله. وقيل : ما مصدرية ، والمصدر مقدّر باسم الفاعل. والمعنى : فانكحوا النكاح الذي طاب لكم. وقيل : ما نكرة موصوفة ، أي : فانكحوا جنسا أو عددا يطيب لكم. وقيل : ما ظرفية مصدرية ، أي : مدة طيب النكاح لكم. والظاهر أنّ ما مفعولة بقوله : فانكحوا ، وأنّ من النساء معناه : من البالغات. ومن فيه إما لبيان الجنس للإبهام الذي في ما على مذهب من يثبت لها هذا المعنى ، وإمّا للتبعيض وتتعلق بمحذوف أي : كائنا من النساء ، ويكون في موضع الحال. وأما إذا كانت ما مصدرية أو ظرفية ، فمفعول فانكحوا هو من النساء ، كما تقول : أكلت من الرغيف ، والتقدير فيه : شيئا من الرغيف. ولا يجوز أن يكون مفعول فانكحوا مثنى ، لأن هذا المعدول من العدد لا يلي العوامل كما تقرر في المفردات.
وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش طاب بالإمالة. وفي مصحف أبي طيب بالياء ، وهو دليل الإمالة. وظاهر فانكحوا الوجوب ، وبه قال أهل الظاهر مستدلين بهذا الأمر وبغيره. وقال غيرهم : هو ندب لقوم ، وإباحة لآخرين بحسب قرائن المرء ، والنكاح في الجملة مندوب إليه. ومعنى ما طاب : أي ما حل ، لأن المحرمات من النساء كثير قاله : الحسن وابن جبير وأبو مالك. وقيل : ما استطابته النفس ومال إليه القلب. قالوا : ولا يتناول قوله فانكحوا العبيد.
ولما كان قوله : ما طاب لكم من النساء عامّا في الأعداد كلها ، خص ذلك بقوله : مثنى وثلاث ورباع. فظاهر هذا التخصيص تقسيم المنكوحات إلى أنّ لنا أن نتزوج اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، ولا يجوز لنا أن نتزوج خمسة خمسة ، ولا ما بعد ذلك من الاعداد. وذلك كما تقول : أقسم الدراهم بين الزيدين درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، فمعنى ذلك أن تقع القسمة على هذا التفصيل دون غيره. فلا يجوز لنا أن نعطي أحدا من المقسوم عليهم خمسة خمسة ، ولا يسوغ دخول أو هنا مكان الواو ، لأنه كان يصير المعنى أنهم لا ينكحون كلهم إلا على أحد أنواع العدد المذكور ، وليس لهم أن يجعلوا بعضه على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع ، لأن أو لأحد الشيئين أو الأشياء. والواو تدل على مطلق الجمع ، فيأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها على طريق الجميع إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد ، وإن شاؤوا متفقين فيها محظورا عليهم ما زاد. وذهب بعض الشيعة : إلى أنه يجوز النكاح بلا عدد ، كما يجوز التسري بلا عدد. وليست الآية تدل على توقيت في العدد ، بل تدل على الإباحة كقولك : تناول ما أحببت واحدا