الكناية ، لأن كثرة العيال يتسبب عنها الفقر. والظاهر أن المعنى : أن اختيار الحرة الواحدة أو الأمة أقرب إلى انتفاء الجور ، إذ هو المحذور المعلق على خوفه الاختيار المذكور. أي : عبر عن قوله : أن لا تعولوا بأن لا يكثر عيالكم ، فإنه عبر عن المسبب بالسبب ، لأن كثرة العيال ينشأ عنه الجور.
وقرأ طلحة أن لا تعيلوا بفتح التاء ، أي لا تفتقروا من العيلة كقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) (١) وقال الشاعر :
فما يدري الفقير متى غناه |
|
ولا يدري الغني متى يعيل |
وقرأ طاوس : أن لا تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله ، وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي من حيث المعنى الذي قصده. وأن تتعلق بأدنى وهي في موضع نصب أو جر على الخلاف ، إذ التقدير : أدنى إلى أن لا تعولوا. وافعل التفضيل إذا كان الفعل يتعدى بحرف جر يتعدّى هو إليه. تقول : دنوت إلى كذا فلذلك كان التقدير أدنى إلى أن تعولوا. ويجوز أن يكون الحرف المحذوف لام الجر ، لأنك تقول : دنوت لكذا.
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) الظاهر : أن الخطاب للأزواج ، لأن الخطاب قبله لهم ، قاله : ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ، وابن جريج. قيل : كان الرجل يتزوج بلا مهر يقول : أرثك وترثيني فتقول : نعم. فأمروا أن يسرعوا إعطاء المهور. وقيل : الخطاب لأولياء النساء ، وكانت عادة بعض العرب أن يأكل ولي المرأة مهرها ، فرفع الله ذلك بالإسلام. قاله : أبو صالح ، واختاره : الفراء وابن قتيبة. وقيل : المراد بالآية ترك ما كان يفعله المتشاغرون من تزويج امرأة بأخرى ، وأمروا بضرب المهور قاله : حضرمي ، والأمر بإيتاء النساء صدقاتهن نحلة يتناول هذه الصور كلها.
والصدقات المهور. قال ابن عباس وابن جريج وابن زيد وقتادة : نحلة فريضة. وقيل : عطية تمليك قاله الكلبي والفراء. وقيل : شرعة ودينا قاله : ابن الأعرابي. قال الراغب : والنحلة أخص من الهبة ، إذ كل هبة نحلة ولا ينعكس ، وسمي الصداق نحلة من حيث لا يجب في مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالي. ومن قال : النحلة الفريضة نظر إلى حكم الآية ، لا إلى موضوع اللفظ والاشتقاق ، والآية اقتضت إتيانهن الصداق انتهى. ودل هذا الأمر على التحرج من التعرض لمهور النساء كما دل الأمر في : (وَآتُوا الْيَتامى
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٢٨.