(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) أجمعوا على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء ، وما عقد عليه الأبناء على الآباء كان مع العقد وطء ، أو لم يكن. والحليلة : اسم يختص بالزوجة دون ملك اليمين ، ولذلك جاء في أزواج أدعيائهم. ولما علق حكم التحريم بالتسمية دون الوطء ، اقتضى تحريمهن بالعقد دون شرط الوطء. وجاء الذين من أصلابكم وهو وصف لقوله : أبنائكم ، برفع المجاز الذي يحتمله لفظ أبنائكم إذ كانوا يطلقون على من اتخذته العرب ابنا من غيرهم ، وتبنته ابنا ، كما كانوا يقولون : زيد بن محمد ، إلى أن نزل : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (١) الآية وكما قالت امرأة أبي حذيفة في سالم : إنا كنا نراه ابنا. وقد تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت عمته ، أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة ، وأجمعوا على أن حليلة الابن من الرضاع في التحريم كحليلة الابن من الصلب ، استنادا إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وظاهر قوله : وحلائل أبنائكم اختصاص ذلك بالزوجات كما ذكرناه ، واتفقوا على أنّ مطلق عقد الشراء للجارية لا يحرمها على أبيه ولا ابنه ، فلو لمسها أو قبلها حرمت على أبيه وابنه ، لا يختلف في تحريم ذلك. واختلفوا في مجرد النظر بشهوة.
(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) أن تجمعوا في موضع رفع لعطفه على مرفوع ، والمعنى : وأن تجمعوا بين الأختين في النكاح ، لأن سياق الآية إنما هو في النكاح ، وإن كان الجمع بين الأختين أعم من أن يكون في زوجين ، أو بملك اليمين. فأما إذا كان على سبيل التزويج ، فأجمعت الأمة على تحريم العقد على ذلك سواء وقع العقدان معا ، أم مرتبا. واختلفوا في تزويج المرأة في عدة أختها : فروي عن زيد ، وابن عباس ، وعبيدة ، وعطاء ، وابن سيرين ، ومجاهد في آخرين من التابعين : أن ذلك لا يجوز فبعضهم أطلق العدة ، وبعضهم قال : إذا كانت من الثلاث وهو قول : أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر ، والثوري ، والحسن بن صالح. وروي عن عروة ، والقاسم ، وخلاس : أنه يجوز له ذلك إذا كانت من طلاق بائن ، وهو قول : مالك والأوزاعي والليث والشافعي. واختلف عن سعيد والحسن وعطاء. والجواز ظاهر الآية ، إذا لم يكن الطلاق رجعيا. وأما الجمع بينهما بملك اليمين فلا خلاف في شرائهما ودخولهما في ملكه ، وأما الجمع بينهما في الوطء :
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٠.