وقيل : الأول جار مجرى الشهادة ، والثاني جار مجرى الحكم وقيل : هذا الكلام ينطوي على مقدّمتين ، وهذا هو نتيجتهما ، فكأنه قال : شهد الله والملائكة وأولو العلم وما شهدوا به حق فلا إله إلا هو حق ، فحذف إحدى المقدّمتين للدّلالة عليها ، وهذا التقدير كله لا يساعد عليه اللفظ.
وقال الراغب : إنما كرر (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد لأن أكثرها مشارك في ألفاظها العبيد ، فيصح وصفهم بها ، وكذلك وردت ألفاظ التنزيه في حقه أكثر ، وأبلغ ما وصف به من التنزيه : لا إله إلا الله ، فتكريره هنا لأمرين : أحدهما : لكون الثاني قطعا للحكم ، كقولك : أشهد أن زيدا خارج ، وهو خارج. والثاني : لئلا يسبق بذكر العزيز الحكيم إلى قلب السامع تشبيه ، إذ قد يوصف بهما المخلوق انتهى.
وقال الزمخشري : صفتان مقرّرتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل ، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر ، الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله. انتهى. وهو تحويم على مذهب المعتزلة.
وارتفع : العزيز ، على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : والعزيز ، على الاستئناف قيل : وليس بوصف ، لأن الضمير لا يوصف ، وليس هذا بالجمع عليه ، بل ذهب الكسائي إلى أن ضمير الغائب كهذا يوصف.
وجوّزوا في إعراب : العزيز ، أن يكون بدلا من : هو. وروي في حديث عن الأعمش أنه قام يتهجد ، فقرأ هذه الآية ، ثم قال : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة ، إن الدين عند الله الإسلام قالها مرارا ، فسئل ، فقال : حدّثني أبو وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى ، أدخلوا عبدي الجنة».
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : العزيز ، إشارة إلى كمال القدرة ، و : الحكيم ، إشارة ، إلى كمال العلم ، وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلهية إلّا معهما ، لإن كونه (قائِماً بِالْقِسْطِ) لا يتم إلّا إذا كان عالما بمقادير الحاجات ، فكان قادرا على تحصيل المهمات ، وقدم العزيز في الذكر لأن العلم بكونه تعالى قادرا متقدم على العلم بكونه عالما في طريق المعرفة الاستدلالية ، وهذا الخطاب مع المستدل. انتهى كلامه.