يسكنون بعده عين الفعل. وقرأ الجمهور : ولا يظلمون بالياء. وقرأت طائفة : ولا تظلمون بتاء الخطاب ، وانتصاب فتيلا. قال ابن عطية : على أنه مفعول ثان ، ويعني على تضمين تظلمون معنى ما يتعدى لاثنين ، والمعنى : مقدار فتيل ، وهو كناية عن أحقر شيء ، وإلى أنه الخيط الذي في شق النواة ذهب ابن عباس وعطاء ومجاهد ، وإلى أنه ما يخرج من بين الأصابع أو الكفين بالفتل ذهب ابن عباس أيضا. وأبو مالك والسدي ، وإلى أنه نفس الشق ذهب الحسن.
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) هو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. ولمّا خاطبه أولا بقوله : (أَلَمْ تَرَ) (١) أي ألا تعجب لهؤلاء الذين يزكون أنفسهم؟ خاطبه ثانيا بالنظر في كيفية افترائهم الكذب على الله ، وأتى بصيغة يفترون الدالة على الملابسة والديمومة ، ولم يخص الكذب في تزكيتهم أنفسهم ، بل عمم في ذلك وفي غيره. وأي ذنب أعظم ممن يفتري على الله الكذب (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (٢) فمن أظلم ممن كذب على الله.
وكيف : سؤال عن حال ، وانتصابه على الحال ، والعامل فيه يفترون ، والجملة في موضع نصب بانظر ، لأن انظر معلقة. وقال ابن عطية : وكيف يصح أن يكون في موضع نصب بيفترون؟ ويصح أن يكون في موضع رفع بالابتداء ، والخبر في قوله : يفترون انتهى. أما قوله : يصح أن يكون في موضع نصب بيفترون فصحيح على ما قررناه ، وأما قوله ويصح أن يكون في موضع رفع بالابتداء ، والخبر في قوله يفترون ، فهذا لم يذهب إليه أحد ، لأنّ كيف ليست من الأسماء التي يجوز الابتداء بها ، وإنما قوله : كيف يفترون على الله الكذب في التركيب نظير كيف يضرب زيد عمرا ، ولو كانت مما يجوز الابتداء بها ما جاز أن يكون مبتدأ في هذا التركيب ، لأنه ذكر أنّ الخبر هي الجملة من قوله : يفترون ، وليس فيها رابط يربط هذه الجملة بالمبتدأ ، وليست الجملة نفس المبتدأ في المعنى ، فلا يحتاج إلى رابط. فهذا الذي قال فيه : ويصح ، هو فاسد على كل تقدير.
(وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) تقدّم الكلام في نظير وكفى به. والضمير في : به ، عائد على الافتراء ، وهو الذي أنكر عليهم. وقيل : على الكذب. وقال الزمخشري : وكفى بزعمهم لأنه قال : «كيف يفترون على الله الكذب» (٣) في زعمهم أنهم عند الله أزكياء ، وكفى
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٩.
(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ٨.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٥٠.