الواو والمعطوف بالمجرور. وأبو عليّ يخص هذا بالشعر ، وليس بصواب. فإن كان المعطوف مجرورا أعيد الجار نحو : امرر بزيد وغدا بعمرو. ولكنّ قوله : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا ، ليس من هذه الآيات ، لأن حرف الجر يتعلق في هذه الآيات بالعامل في المعطوف ، والظرف هنا ظاهره أنه منصوب بأن تحكموا ، ولا يمكن ذلك لأن الفعل في صلة ، ولا يمكن أن ينتصب بالناصب لأن تحكموا لأنّ الأمر ليس واقعا وقت الحكم. وقد خرجه على هذا بعضهم. والذي يظهر أنّ إذا معمولة لأن تحكموا مقدرة ، وأن تحكموا المذكورة مفسرة لتلك المقدرة ، هذا إذا فرغنا على قول الجمهور. وأما إذا قلنا بمذهب الفرّاء فإذا منصوبة بأن تحكموا هذه الملفوظ بها ، لأنه يجيز : يعجبني العسل أن يشرب ، فتقدم معمول صلة أن عليها.
(إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أصله : نعم ما ، وما معرفة تامة على مذهب سيبويه والكسائي. كأنه قال : نعم الشيء يعظكم به ، أي شيء يعظكم به. ويعظكم صفة لشيء ، وشيء هو المخصوص بالمدح وموصولة على مذهب الفارسي في أحد قوليه. والمخصوص محذوف التقدير : نعم الذي يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل. ونكرة في موضع نصب على التمييز ، ويعظكم صفة له على مذهب الفارسي في أحد قوليه ، والمخصوص محذوف تقديره كتقدير ما قبله. وقد تأولت ما هنا على كل هذه الأقوال ، وتحقيق ذلك في علم النحو. وقال ابن عطية : وما المردفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في ربما ، ومما في قوله : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مما يحرك شفتيه وكقول الشاعر :
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقى اللسان من الفم |
ونحوه. وفي هذا هي بمنزلة ربما ، وهي لها مخالفة في المعنى : لأنّ ربما معناها التقليل ، ومما معناها التكثير. ومع أن ما موطئة ، فهي بمعنى الذي. وما وطأت إلا وهي اسم ، ولكنّ القصد إنما هو لما يليها من المعنى الذي في الفعل انتهى كلامه. وهو كلام متهافت ، لأنه من حيث جعلها موطئة مهيئة لا تكون اسما ، ومن حيث جعلها بمعنى الذي لا تكون مهيئة موطئة فتدافعا. وقرأ الجمهور : نعما بكسر العين اتباعا لحركة العين. وقرأ بعض القراء : نعما بفتح النون على الأصل ، إذ الأصل نعم على وزن شهد. ونسب إلى أبي عمرو سكون العين ، فيكون جمعا بين ساكنين.
(إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) أي لأقوالكم الصادرة منكم في الأحكام.