الملك على سبيل الاستحقاق من يقوم به ، ولا تنزعه إلّا ممن فسق ، يدل عليه (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) (٢) جعل الاصطفاء سببا للملك ، فلا يجوز أن يكون ملك الظالمين بإيتائه وقد يكون : وقد ألزمهم أن لا يتملكوه ، فصح أن الملوك العادلين هم المخصوصون بايتاء الله الملك ، وأما الظالمون فلا.
أما النزع فبخلافه ، فكما ينزعه من العادل لمصلحة ، فقد ينزعه من الظالم.
وقال القاضي عبد الجبار : الإعزاز المضاف إليه تعالى يكون في الدين بالإمداد بالألطاف ومدحهم وتغلبهم على الأعداء ، ويكون في الدنيا بالمال وإعطاء الهيبة. وأشرف أنواع العزة في الدين هو الإيمان ، وأذل الأشياء الموجبة للذله هو الكفر ، فلو كان حصول الإيمان والكفر من العبد لكان إعزاز العبد نفسه بالإيمان وإذلاله نفسه بالكفر أعظم من إعزاز الله إياه وإذلاله ، ولو كان كذلك كان حظه من هذا الوصف أتم من حظه سبحانه ، وهو باطل قطعا.
وقال الجبائي : يذل أعداءه في الدنيا والآخرة ، ولا يذل أولياءه وان أفقرهم وأمرضهم وأخافهم وأحوجهم إلى غير ذلك ، لأن ذلك لعزهم في الآخرة بالثواب أو العوض فصار كالفصد يؤلم في الحال ويعقب نفعا. قال : ووصف الفقر بكونه ذلا مجازا ، كقوله (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣) وإذلال الله المبطل بوجوه بالذم واللعن ، وخذلانهم بالحجة والنصرة ، وبجعلهم لأهل دينه غنيمة ، وبعقوبتهم في الآخرة.
(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي : بقدرتك وتصديقك وقع الخير ، ويستحيل وجود اليد بمعنى الجارحه لله تعالى.
قيل : المعنى : والشر ، نحو : تقيكم الحرّ ، أي والبرد. وحذف المعطوف جائز لفهم المعنى ، إذ أحد الضدين يفهم منه الآخر ، وهو تعالى قد ذكر إيتاء الملك ونزعه ، والإعزاز والإذلال ، وذلك خير لناس وشر لآخرين ، فلذلك كان التقدير : بيدك الخير والشر ، ثم ختمها بقوله (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فجاء بهذا العام المندرج تحته الأوصاف السابقة ، وجمع الخيور والشرور ، وفي الاقتصار على ذكر الخير تعليم لنا كيف نمدح بأن نذكر أفضل الخصال.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٢٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٧.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٥٤.