قيل : وفيها دلالة على أن الذمي لا يعقل جناية المسلم ، وكذلك المسلم لا يعقل جنايته ، لأن ذلك من الموالاة والنصرة والمعونة.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) قال ابن عباس : بطشه ، وقال الزجاج : نفسه أي : إياه تعالى ، كما قال الأعشى :
يوما بأجود نائلا منه إذا |
|
نفس الجبان تجهمت سؤّالها |
أراد إذا البخيل تجهم سؤاله. قال ابن عطية : وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر ، والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات. وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه. فقال ابن عباس ، والحسن : ويحذركم الله عقابه. انتهى كلامه.
ولما نهاهم تعالى عن اتخاذ الكافرين أولياء ، حذرهم من مخالفته بموالاة أعدائه قال : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي : صيرورتكم ورجوعكم ، فيجازيكم إن ارتكبتم موالاتهم بعد النهي. وفي ذلك تهديد ووعيد شديد.
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) تقدّم تفسير نظير هذه الآية في أواخر آي البقرة ، وهناك قدّم الإبداء على الإخفاء ، وهنا قدم الإخفاء على الإبداء ، وجعل محلهما ما في الصدور ، وأتى جواب الشرط قوله : (يَعْلَمْهُ اللهُ) وذلك من التفنن في الفصاحة. والمفهوم أن الباري تعالى مطلع على ما في الضمائر ، لا يتفاوت علمه تعالى بخفاياها ، وهو مرتب على ما فيها الثواب والعقاب إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. وفي ذلك تأكيد لعدم الموالاة ، وتحذير من ذلك.
(وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هذا دليل على سعة علمه ، وذكر عموم بعد خصوص ، فصار علمه بما في صدورهم مذكورا مرتين على سبيل التوكيد ، أحدهما : بالخصوص ، والآخر : بالعموم ، إذ هم ممن في الأرض.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيه تحذير مما يترتب على علمه تعالى بأحوالهم من المجازاة على ما أكنته صدورهم.
وقال الزمخشري : وهذا بيان لقوله (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) لأن نفسه ، وهي ذاته المتميزة من سائر الذوات ، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم ، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور ، فهي قادرة على المقدورات