وهذا المكان بطاهر المقسم ، وكان مكان الأزبكية قديما يعرف بمناظر اللوق ، ثم خرب ذلك المكان ، وأقام دهرا طويلا ليس به مكان عامرة حتي صار مقطع طريق إلي أن عمرة المقر الأتابكى المقدم ذكره وجرف ما كان به من الكيمان العالية ومهدها وحفر البركة وتعب علي ذلك تعبا كثيرا وأصرف علي ذلك ما لا كبيرا حتي تم له ما أراده وتكاملت في العمارة والنهاية ، وقد صار ماء النيل تدخل إلي تلك البركة بعد [ق ٢٤٧ أ] وفاء النيل بأيام قليلة ويكون يوم دخول الماء إليها يوم مشهود ، ويجتمع هناك الخاص والعام ، ثم بعد دخول الماء إليها بأيام قليلة يضع بها المقر الأتابكى نفطا ووقودا وتدخل إليها المراكب الكثيرة ، وتكون بها ليلة من أعجب الليالى وهذا يستمر في كل عام بها من قبل الأمير الكبير ويجتمع عنده في هذه الليلة سائر الأمراء والمقدمين الألوف وتكون ليلة من العجائب.
وأما في من زمن الربيع فإن هذه البركة يزرع كلها قرطا وتربط عليه الخيول وتضرب فيه الخيام ويصير ربيع في وسط المدينة ، ويجتمع فيه من الناس خلق كثير وقد صارت هذه الأزبكية من أعجب الحوادث الطريفة التي تحدثت في عصرنا ، وقد أنشأ في معني ذلك هذه المقامة شيخنا الإمام العلامة شيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الشهير بالقادري أبغاه الله تعالي في بسيط مديد ، كل خبر وافر وسماها عرف الروضة الزكية في وصف محاسن الأزبكية وهي مقامة كلها [ق ٢٤٧ ب] نظما ونثرا ، ولم تزل نكتسب من فضائل أدبه ونثرا ، حيث قال الحمد لله الذي رفق لاحياء الأرض من أختاره لاحيايها ، وأجري الدعاء له علي لسان أهل ضواحي مصر وأحيائها ، وأحمده حمد من وفقه لعمارة المساجد وأشكره شكر من فاز بدوام الدعاء من كل راكع وساجد ، وأشهد أن لا رله إلا وحده لا شريك له محيي الأرض بعد موتها ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى أدركنا به سعادة الدارين قبل موتها ، صلي الله عليه وعلي آله وأصابه ، ما تبسم ثغر البرق اللامع لبكاء سحابة وسلم تسليما كثيرا.
وبعد ، فقد سألنى من لا أستطيع رد أمره ولا أفوه لخدمته باذاعة سره أن أشجع علي منوال المتقدمين من المقمات حلة سنية في وصف محاسن العمارة الأبكية يكون سداها من حكاية الفكر والبال ، فأجبته متمثلا لما أمره وما أصعب ما تصديت له ، وما أمره [ق ٢٤٨ أ] لأن من مضى من الأوائل لم يتركوا قولا لقائل إذا المناظر لهم كحائط ليل أو كخايض سيل أو كحمارا أعرج يريد مسابقة الخيل غير أن القدري العاجز إذا دعاه لحربه البطل المبارز واستعان بالقادر الذي يجعل لكل شيء قدرا آمده بمدد عنايته وجعل له من أمره يسرا ، فأقول وبالله المستعان في كل لحظة وعليه التكلان فيما أفوه به من كل لقطة حدثنا راوي الأخبار