وإن كان الشاهد هو عبد الله بن سلام بعد إسلامه ، فمن جهة ، ليس ثمة ما يطمئن ـ بحسب العادة ـ إلى أن ابن سلام سوف يقول الصدق ، ولا يكتم الشهادة ، فقد تدفعه أهواؤه إلى ذلك ، فإنه ليس بمعصوم.
بل إن الوقائع التي رافقت حياة هذا الرجل بعد إسلامه قد أثبتت أنه لم يكن وفيا للحق ، بل اتبع هواه ، وعاند الإمام الحق ، واتبع سبيل الذين لا يعلمون ..
كما أن أهل الكتاب قد كتموا الشهادة بالحق لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، في غير هذا المورد ، وقد تحدث الله عنهم في ذلك ، وأنبهم عليه ، واتهمهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ، فراجع تفسير قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١).
وقوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (٢).
فمن كان كذلك كيف تجعل شهادته عدلا لشهادة الله وشهيديته؟!
وكيف يسجل ذلك في القرآن ليقرأه الناس وليستفيدوا منه خلفا عن سلف؟! ..
ألا يعد هذا من الإغراء للناس بما لا يصح الإغراء به؟
بل إن إصرار أهل الكتاب على البقاء على دينهم في هذه الحال لهو من أعظم مظاهر كتمان الشهادة بالحق ، كما هو ظاهر لا يخفى ..
مع أن سياق الآية والتعبير بكفى ، وجعل شهيدية العالم بالكتاب
__________________
(١) الآية ٩٣ من آل عمران.
(٢) الآية ٤٦ من سورة النساء ، وراجع الآيتان ١٣ و ١٤ من سورة المائدة.