الجهة كما قال بعض العامة ان الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس والمغرب قبلة لأهل المشرق وبالعكس لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو ممتنع. أقول وهذا الاختلاف ايضا هنا قليل الجدوى لما عرفت من انهم قد أوجبوا على البعيد الرجوع الى العلامات التي ذكرها علماء أهل الهيئة والتوجه الى السمت الذي تدل عليه فكان الاولى تعريف الجهة بها.
وينبغي التنبيه هنا على أمور بها يتم البحث عن تحقيق المسألة كما هو حقها :
(الأول) قد صرح غير واحد من الأصحاب بل ظاهر كلام المعتبر المتقدم الإجماع على ذلك بأنه يجب على المكي لتمكنه من مشاهدة عين الكعبة الصلاة إليها ولو بالصعود على سطح لقدرته على العلم فلا يجوز له البناء على الظن ، ولو نصب محرابا بعد المعاينة جازت صلاته إليه دائما لتيقنه الصواب ، وكذا الذي نشأ بمكة وتيقن الإصابة ، ولا يكفى الاجتهاد بالعلامات هنا لانه رجوع الى الظن مع إمكان العلم وهو غير جائز. نعم لو كان محبوسا لا قدرة له على استعلام العين جاز له التعويل على الاجتهاد وكذا من هو في نواحي الحرم ، وهل يكلف الصعود الى الجبل لاستعلام العين؟ قولان نقل عن الشيخ والعلامة في بعض كتبهما ذلك. قال في المدارك بعد اختيار القول الآخر : وهو بعيد.
أقول : لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما تقدم انه لا دليل في أصل هذه المسألة إلا ما يدعونه من الإجماع وإلا فالآية إنما دلت على شطر المسجد مطلقا كما تقدم ، والاخبار لا تعرض فيها لذلك بوجه وان كان الاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم) إلا ان في سقوط صعود الجبل كما هو أحد القولين في المسألة كما عرفت نظرا واستبعاد صاحب المدارك لا يخلو من بعد لما اتفقوا عليه من عدم جواز البناء على الظن إلا مع تعذر العلم والعلم بذلك ممكن بصعود الجبل ، فكيف يجوز له ان يصير الى الظن والحال ما ذكرنا؟ الا ان يدعى استلزام المشقة بذلك لكن إطلاق كلامهم يقتضي العموم ، وهو غير جيد.