قال السيد السند في المدارك : ثم ان المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في أمر القبلة والاكتفاء في التوجه الى ما يصدق عليه عرفا انه جهة المسجد وناحيته كما يدل عليه قوله تعالى «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (١) وقولهم (عليهمالسلام) : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (٢) و «ضع الجدي في قفاك وصل» (٣) وخلو الاخبار مما زاد على ذلك مع شدة الحاجة الى معرفة هذه العلامات لو كانت واجبة. وإحالتها على علم الهيئة مستبعد جدا لانه علم دقيق كثير المقدمات ، والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين الشرع ، وتقليد اهله غير جائز لأنه لا يعلم إسلامهم فضلا عن عدالتهم ، وبالجملة التكليف بذلك مما علم انتفاؤه ضرورة. والله العالم بحقائق أحكامه.
(التاسع) ـ اعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذكروا لأكثر البلدان علامات تعرف بها قبلتها ، والظاهر ان ذلك كله أو أكثره مأخوذ من كلام علماء الهيئة الآخذين ذلك من الارصاد ومعرفة البلاد طولا وعرضا ، وقد عرفت ما في ذلك من الاشكال وانه لم يرد عنهم (عليهمالسلام) في معرفة القبلة إلا ما قدمنا ذكره.
ثم انهم (رضوان الله عليهم) قد ذكروا لأهل العراق علامات ثلاثا :
(الاولى) ـ جعل المشرق على المنكب الأيسر والمغرب على الأيمن وقيد ذلك أكثر الأصحاب بالاعتداليين لعدم انضباط ما عداهما ، والظاهر ـ كما صرح به بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ـ انه لا حاجة الى هذا التقييد حيث قال إطلاق القوم المشرق والمغرب لا قصور فيه وتقييد بعض مشايخنا غير محتاج اليه بل هو مقلل للفائدة ، وما ظنوه من ان الإطلاق مقتض للاختلاف الفاحش في الجهة ليس كذلك لان مراد القدماء أن العراقي يجعل مغرب اي يوم شاء على يمينه ومشرق ذلك اليوم بعينه على يساره ، وهذا لا يقتضي الاختلاف الذي زعموه وهو عام في كل الأوقات لكل المكلفين ، بخلاف القيد الذي ذكروه فإنه يقتضي ان لا تكون العلامة موضوعة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٣٩.
(٢) ص ٣٧٣.
(٣) ص ٣٨٧.