الثالث ، وجواز هذا النفر مخصوص بمن كان قد اتقى في إحرامه الصيد والنساء ،
قال في المنتهى : «وقد أجمع أهل العلم كافة على أن من أراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم غير مقيم بمكة فله ان ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق ، لا نعلم فيه خلافا».
أقول : والأصل في هذه المسألة قوله عزوجل (١) «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى» وقيل في المقام اشكال ، وهو أن ظاهر قوله سبحانه «وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» يعطي أن التأخير ربما كان مظنة للإثم فنفى ذلك بقوله «لا اثم عليه» مع أن التأخير أفضل للإتيان بمناسك اليوم الثالث ، فكيف يتوهم تقصيره وكونه مظنة للإثم ليحتاج الى نفيه عنه.
وقد أجيب عن ذلك بوجوه : منها أن الرخصة قد تكون عزيمة ، كما في التقصير ، فلمكان هذا الاحتمال رفع الحرج في الاستعجال والتأخر دلالة على التخيير بين الأمرين.
ومنها أن أهل الجاهلية كانوا فريقين : فمنهم من يجعل المتعجل آثما ، ومنهم من يجعل المتأخر آثما فبين الله تعالى ، أن لا اثم على كل منهما.
ومنها أن المعنى في إزالة الإثم على المتأخر انما هو لمن زاد على مقام ثلاثة أيام ، فكأنه قيل : أن أيام منى التي ينبغي المقام بها ثلاثة فمن نقص فلا أثم عليه ، ومن زاد على الثلاثة ولم ينفر مع عامة الناس فلا شيء عليه.
ومنها أن هذا من باب رعاية المقابلة والمشاكلة مثل «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» بل هذا أولى لأن المندوب يصدق عليه أنه لا اثم على صاحبه فيه ، وجزاء السيئة ليس سيئة أصلا.
وهذا الوجه نقله في مجمع البيان عن الحسن بتقرير يرجع الى ما ذكر ، حيث قال : الثاني أن معناه لا اثم عليه في التعجيل والتأخير وانما نفى الإثم لئلا يتوهم متوهم أن في التعجيل إثما ، وانما قال : فلا اثم عليه في التأخير على جهة المزاوجة ، كما
__________________
(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٠٣.