يقال : ان أعلنت الصدقة فحسن ، وان أسررت فحسن ، وان كان الأسرار أحسن وأفضل عن الحسن.
ومنها أن معناه لا اثم عليه ، لأن سيئاته صارت مكفرة بما كان من حجه المبرور وهو معنى قول ابن مسعود ، وعلى هذا الوجه والذي قبله اقتصر في كتاب مجمع البيان ، وما قدمناه من الوجوه نقله السيد السند في المدارك.
ومنها وهو الأظهر في المقام أنه لما كان الظاهر من الاخبار كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب (١) وعليه محققو الأصوليين هو حجية مفهوم الشرط ، وحينئذ فمقتضى قوله عزوجل أولا «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» ان من تأخر ولم يتعجل فعليه الإثم ، والحال أنه لا اثم عليه شرعا ، فرفع سبحانه هذا الحكم ببيان أن المفهوم هنا غير مراد ، فلا يتوهم أحد أن تخصيص التعجيل بنفي الإثم يستلزم حصول الإثم بالتأخير.
وعلى ذلك يدل صحيح أبي أيوب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا نريد أن نتعجل المسير وكانت ليلة النفر حين سألته فأي ساعة ننفر؟ فقال لي : أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس وكانت ليلة النفر وأما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله فان الله جل ثناؤه يقول (٣) «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» ولو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ، ولكنه قال «وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ».
قيل : لعل بناء هذا الحديث على الرد على أهل الجاهلية بناء على ما تقدم من النقل عنهم بأن منهم من أثم المتعجل بالنفر ، ومنهم من إثم المتأخر به
أقول : وهو جيد لو ثبت النقل المذكور عنهم ، على أن المتبادر من قوله (عليهالسلام) «فلو سكت» الى آخره انما هو ما ذكرناه من أن مقتضى مفهوم المخالفة في الآية هو تحريم التأخير ، ولكنه لما لم يكن مرادا بين سبحانه ذلك برفع الإثم
__________________
(١) ج ١ ص ٥٧.
(٢) الكافي ج ٤ ص ٥١٩.
(٣) سورة البقرة الآية ـ ٢٠٣.