فأجبتك الى ما سألت ، وأنا اسألك ان تسألنى فلم لا يجيب مسألتى؟ قال إدريس : اللهم لا اسألك ، قال : فأوحى الله عزوجل الى الملك الذي أمره أن يأتى إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به ، فلما أمسى إدريس في ليلة يومه ذلك فلم يؤت بطعامه حزن وجاع ، فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه ، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره ، فنادى ربه : يا رب حبست عنى رزقي من قبل أن تقبض روحي؟ فأوحى الله عزوجل اليه : يا إدريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلثة أيام ولياليها ، ولم تجزع وتذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ، ثم سألتك عند جهدهم ورحمتي إياهم ان تسألنى فأمطر السماء عليهم فلم تسألنى وبخلت عليهم بمسألتك إياي! فأدبتك بالجوع ، فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه الى جبلتك.
فهبط إدريس عليهالسلام من موضعه الى قرية يطلب أكله من جوع ، فلما دخل القرية نظر الى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه ، فهجم على عجوز كبيرة وهي ترفق قرصتين لها على مقلاة (١) فقال لها : أيتها المرأة أطعمينى فانى مجهود من الجوع ، فقالت له : يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت انها ما تملك غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية ، فقال لها : أطعميني ما أمسك به روحي وتحملني به رجلي الى أن أطلب ، قالت : انهما قرصتان واحدة لي والاخرى لابني فان أطعمتك قوتي مت ، وان أطعمتك قوت إبني مات ، وما هاهنا فضل أطعمك ، فقال لها : ان ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيا به ، ويجزيني النصف الاخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله ، فأكلت المرئة قرصتها وكسرت الاخرى بين إدريس وبين ابنها ، فلما راى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات ، قالت امه : يا عبد الله قتلت على إبني جزعا على قوته ، فقال لها إدريس : فأنا أحييه
__________________
(١) المقلاة : وعاء يقلى فيه الطعام.