عبد الجبّار ، فجهزني وحملني ، فلما دخلت الرقة أوصلت إلى الفضل بن الرّبيع ، فقال لي : لا تلقين أحدا ولا تكلمه حتى أوصلك إلى أمير المؤمنين ، وأنزلني منزلا أقمت فيه يومين ـ أو ثلاثة ـ ثم استحضرني فقال : جئني وقت المغرب حتى أدخلك على أمير المؤمنين ، فجئته فأدخلني على الرّشيد وهو جالس متفردا فسلمت ، فاستدناني وأمرني بالجلوس فجلست. وقال لي : يا عبد الملك وجهت إليك بسبب جاريتين أهديتا إلىّ ، وقد أخذتا طرفا من الأدب ، أحببت أن تبور ما عندهما وتشير عليّ فيهما بما هو الصواب عندك ، ثم قال : ليمض إلى عاتكة فيقال لها أحضري الجاريتين ، فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط ، فقلت لأجلهما : ما اسمك؟ قالت فلانة ، قلت : ما عندك من العلم؟ قالت : ما أمر الله به في كتابه ، ثم ما ينظر الناس فيه من الأشعار ، والآداب ، والأخبار ، فسألتها عن حروف من القرآن فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب ، وسألتها عن النحو والعروض والأخبار فما قصرت ، فقلت : بارك الله فيك ، فما قصرت في جوابي في كل فن أخذت فيه ، فإن كنت تقرضين الشعر فأنشدينا شيئا ، فاندفعت في هذا الشعر :
يا غياث البلاد في كل محل |
|
ما يريد العباد إلا رضاك |
لا ـ ومن شرف الإمام وأعلى ـ |
|
ما أطاع الإله عبد عصاك |
ومرت في الشعر إلى آخره. فقلت : يا أمير المؤمنين ما رأيت امرأة في مسك رجل مثلها ، وقالت الأخرى فوجدتها دونها ، فقلت ما تبلغ هذه منزلتها إلا أنها إن وظب عليها لحقت ، فقال : يا عبّاسي ، فقال الفضل : لبيك يا أمير المؤمنين ، فقال : ليردا إلى عاتكة ، ويقال لها تصنع هذه التي وصفتها بالكمال لتحمل إلى الليلة. ثم قال لي : يا عبد الملك أنا ضجر. وقد جلست أحب أن أسمع حديثا أتفرج به ، فحدّثني بشيء فقلت : لأي الحديث يقصد أمير المؤمنين؟ قال : لما شاهدت وسمعت من أعاجيب الناس وطرائف أخبارهم. فقلت : يا أمير المؤمنين صاحب لنا في بدو بني فلان كنت أغشاه وأتحدث إليه ، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة أصح الناس ذهنا ، وأجودهم أكلا ، وأقواهم بدنا ، فغبرت عنه زمانا ثم قصدته فوجدته ناحل البدن ، كاسف البال ، متغير الحال ، فقلت له : ما شأنك؟ أأصابتك مصيبة؟ قال : لا ، قلت : أفمرض عراك؟ قال : لا ، قلت : فما سبب هذا التغيير الذي أراه بك؟ فقال : قصدت بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها ، وطلت بالورس ما بين قرنها إلى