وقال : يا أصمعي خذها ، فشكرته وبكت الجارية ، وقالت : يا سيدي تدفعني إلى هذا الشيخ مع ما أرى من سماجته ، وقبح منظره. وجزعت جزعا شديدا. فقال : يا أصمعي هل لك أن أعوضك منها ألف دينار؟ قلت : ما أكره ذلك ، فأمر لي بألف دينار ، ودخلت الجارية ، فقال لي يا أصمعي إني أنكرت من هذه الجارية أمرا ، فأردت عقوبتها بك ، ثم رحمتها منك ، قلت : أيها الأمير فهلا أعلمتني قبل ذلك ، فإني لم آتك حتى سرحت لحيتي وأصلحت عمتي ، ولو عرفت الخبر لصرت على هيئة خلقتي ، فو الله لو رأتني كذلك لما عاودت شيئا تنكره منها أبدا ما بقيت.
أخبرنا محمّد بن عبد الواحد بن علي البزّاز ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزبانيّ ، أخبرنا محمّد بن العبّاس قال : سمعت محمّد بن يزيد النّحويّ يقول : كان أبو زيد الأنصاريّ صاحب لغة ، وغريب ونحو ، وكان أكثر من الأصمعي في النحو ، وكان أبو عبيدة أعلم من أبي زيد والأصمعيّ ، بالأنساب ، والأيام ، والأخبار ، وكان الأصمعيّ بحرا في اللغة لا يعرف مثله فيها وفي كثرة الرواية ، وكان دون أبي زيد في النحو.
قلت : وقد جمع الفضل بن الرّبيع بن الأصمعيّ وأبي عبيدة في مجلسه.
أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل ، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثنا أبو العيناء ، أخبرني الدعلجي ـ غلام أبي نواس ـ قال : قيل لأبي نواس : قد أشخص أبو عبيدة والأصمعيّ إلى الرّشيد فقال : أما أبو عبيدة فإنهم إن أمكنوه من سفره قرأ عليهم أخبار الأولين والآخرين ، وأما الأصمعيّ فبلبل يطربهم بنغماته.
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن علي الواسطيّ ، أخبرنا محمّد بن جعفر التّميميّ ، حدّثنا أبو القاسم السكوني ، حدّثنا أحمد بن أبي موسى ، حدّثنا أبو العيناء قال : قال الأصمعيّ : دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بن الرّبيع فقال : يا أصمعي كم كتابك في الخيل؟ قال : قلت جلد ، قال : فسأل أبا عبيدة عن ذلك فقال : خمسون جلدا ، قال : فأمر بإحضار الكتابين ، قال : ثم أمر بإحضار فرس فقال : لأبي عبيدة اقرأ كتابك حرفا حرفا وضع يدك على موضع موضع ، فقال أبو عبيدة : ليس أنا بيطار ، إنما ذا شيء أخذته وسمعته من العرب وألفته. فقال لي : يا أصمعي قم فضع يدك على موضع موضع من الفرس ، فقمت فحسرت عن ذراعي وساقي ثم وثبت فأخذت بأذني الفرس ، ثم وضعت يدي على ناصيته ، فجعلت أقبض منه بشيء شيء فأقول :