فخرج علينا خادم فأدخلنا ، فإذا أبو جعفر وحده ، والرّبيع قائم في ناحية ، فأكب أبو جعفر هنيهة مطرقا ، ثم رفع رأسه فقال : هيه؟ قلت : يا أمير المؤمنين أنا قطن بن معاوية ، قد والله جهدت عليك جهدي ، فعصيت أمرك وواليت عدوك ، وحرصت على أن أسلبك ملكك ، فإن عفوت فأهل ذاك أنت ، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني. قال : فسكت هنيهة ثم قال : هيه؟ فأعدت مقالتي ، فقال فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك. فقلت : يا أمير المؤمنين إني أصير من وراء بابك فلا أصل إليك وضياعي ودوري فهي مقبوضة ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يردها فعل ، فدعا بالدواة ثم أمر خادما فكتب بإملائه إلى عبد الملك بن أيّوب النميري ـ وهو يومئذ على البصرة ـ إن أمير المؤمنين قد رضى عن قطن بن معاوية ، ورد عليه ضياعه ودوره وجميع ما قبض له فاعلم ذلك ، وأنفذه له إن شاء الله. قال : ثم ختم الكتاب ودفعه إلىّ فخرجت من ساعتي لا أدري أين أذهب ، فإذا الحرس بالباب فجلست جانب أحدهم أحدثه فلم ألبث أن خرج علينا الرّبيع فقال : أين الرجل الذي خرج آنفا فقمت إليه فقال : انطلق أيها الرجل ، فقد والله سلمت. فانطلق بي إلى منزله فعشاني وأفرشني ، فلما أصبحت ودعته وأتيت غلماني فأرسلتهم يكترون لي ، فوجدوا صديقا لي من الدهاقين من أهل ميسان قد اكترى سفينة لنفسه ، فحملني معه ، فقدمت على عبد الملك بن أيّوب بكتاب أبي جعفر فأقعدني عنده فلم أقم حتى رد على جميع ما اصطفى لي.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا محمّد ابن أحمد بن البراء ، حدّثني أحمد بن هشام قال : قال الرّبيع : بينا أنا مع أبي جعفر المنصور في طريق مكة ، تبرز فنزل يقضي حاجة ، فإذا الريح قد ألقت إليه رقعة فيها مكتوب :
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت |
|
سنوك وأمر الله لا بد واقع |
قال : فناداني ، يا ربيع ، تنعي إلى نفسي في رقعة؟! فقلت : لا والله ما أعرف رقعة ، ولا أدري ما هي ، قال : فما رجع من وجهه حتى مات بمكة.
قرأت على ابن رزق عن عثمان بن أحمد قال : حدّثنا ابن البراء قال : حدّثني الحسن بن هشام عن الرّبيع قال : حججت مع المنصور أبي جعفر ، فلما كنا بالقادسية قال لي : يا ربيع إني مقيم بهذا المنزل ثلاثا ، فناد في الناس فناديت ، فلما كان الغد قال لي : يا ربيع أجمت المنزل فناد بالرحيل ، فقلت : ناديت أمس إنك مقيم بهذا المنزل