الثاني : أن الحذر لم يجعل غاية لمطلق الإنذار وإن كان من واحد ، لينفع في ما نحن فيه ، بل لإنذار الطائفة ، وإخبارهم يوجب غالبا العلم مع فرض كونهم ثقات ، خصوصا في عصر صدور الآية ، بلحاظ قرب الناس من صاحب الشريعة ، الموجب غالبا لانكشاف حال الخبر ، لتيسر القرائن.
فلا تكون الآية واردة جريا على سيرة العقلاء في الاعتماد على الخبر ، بل لبيان لزوم الاستعانة بالغير في تحصيل العلم لمن لا يتيسر له تحصيله بنفسه. ويشهد به ما ورد من الاستشهاد بها على لزوم النفر لمعرفة الإمام مع أنه لا بد فيه من العلم.
وأجاب عن ذلك بعض مشايخنا بأن ظاهر مقابلة الجمع بالجمع إرادة الاستغراق والتفريق ، فالمعنى أن كل واحد من الطائفة ينذر بعضا من قومه ، لا أن مجموع الطائفة ينذرون مجموع القوم ، وهو الذي يقتضيه طبع الحال ، إذ الغالب عدم اجتماع الطائفة المتفقهة في ناد واحد ، بل يذهب كل إلى خاصته فينذرهم بما تفقه فيه.
وفيه : أن ظهور مقابلة الجمع بالجمع في التفريق مختص بما اذا اخذ فيه عنوان لا يصدق على الجمع ، كما في مثل : أكرموا جيرانكم ، وأدبوا اولادكم ، لوضوح أن علاقة الجوار والبنوة لا تقوم بالمجموع من حيث المجموع بل بكل جار وجاره وأب وابنه بنحو التفريق ، دون مثل المقام مما كان نسبة القوم لأفراد الطائفة نسبة واحدة ، فإن حمله على التفريق ـ وإن كان ممكنا ـ يحتاج إلى دليل.
بل الظاهر أنه لا مجال للبناء عليه في المقام ، ولذا لا يظن من أحد دعوى أنه لو قصر بعض المتفقهين فلم ينذر لم يجب على الباقين استيعاب الباقين بالإنذار بل لهم الاكتفاء بإنذار بعضهم ، كما هو مقتضى التفريق المدعى.
وأما كون ذلك مقتضى طبع الحال فهو لا يخلو عن غموض ، لإمكان أن تكون سيرتهم في تلك العصور على الاجتماع في نوادي رؤسائهم ونحوها مما