لكن لا مجال للخروج بذلك عما عرفت من حكم العقل ، فلا بد أن تحمل على منافاة العقاب لمرتبة خاصة من الكرم وإطلاق الجور على ذلك توسع بلحاظ سعة رحمته المناسبة لرفعة مقامه التي ليس من شأنه الخروج عنها فلا تنافي حكم العقل بالاستحقاق.
ولا سيما مع ما ورد من أن نية الكافر شر من عمله (١) ، معللا في بعض النصوص بأن الكافر ينوي ويأمل من الشر ما لا يدركه. وما ورد من تعليل خلود أهل النار فيها بأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا (٢). وما ورد من أنه يكتب للكافر في سقمه من العمل السيئ ما كان يكتب في صحته (٣) ، فإنه صريح في أن عدم فعل السيئة لتعذرها بسبب السقم ـ كما في الصورة الخامسة المتقدمة ـ لا يرفع عقابها في حق الكافر ، ولو كان ذلك جورا لم يفرق فيه بين المؤمن والكافر.
والإنصاف : أن نصوص المقام لا تخلو عن التنافي بظواهرها ، مع ضعف سند كثير منها ، فلا مجال للتعويل عليها ولا للجمع العرفي بينها في مثل المقام من الأمور العقلية غير المتعلقة بمقام العمل. فلا مجال للخروج بها عما ذكرنا ، والمتيقن منها عدم العقاب في الصورة الخامسة بنحو لا ينافي الاستحقاق ، ويثبت في ما قبلها بالأولوية ، كما ذكرنا.
هذا كله لو كانت نية المعصية مسببة عن الشهوة أو الغضب المزاحمين للحكم الشرعي في مقام تأثير الداعوية في نفس المكلف ، أما لو كانت مسببة عن الاستهوان بتكاليفه تعالى ، أو الرغبة في محاربته والخروج عن أمره فهي أهم من جريمة المعصية ، بل قد توجب الخروج عن الدين والخلود في العذاب
__________________
(١) راجع الوسائل ج ١ : ٣٨ باب : ٦ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٧.
(٢) الوسائل ج ١ : ٣٦ باب : ٦ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٤.
(٣) الوسائل ج ١ : ٤٢ باب ٧ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٥.