يجهزها لغزو بلاد العجم. غير أنه لما تحقق أن السلطان الغوري حليف الشاه إسماعيل وظهيره ، بدأبه قبل أن يبدأ بمقصده الأصلي لأنه عدّ سلطان مصر عقبة كؤودا (١) تعوق سيره إلى تلك البلاد. والله أعلم.
هذا وإن السلطان الغوري ـ قبل أن يخرج من مصر ـ أعدّ من جهاز السفر وآلات الحرب ولوازمه ما لم يسمع بمثله ، بحيث كان عدد جيشه وعدد محاربيه يفوق عدد وعدّة الجيش العثماني أضعافا مضاعفة. ثم خرج السلطان الغوري من مصر ـ ومعه الخليفة والقضاة الأربع ـ يوم السبت ١٦ ربيع الآخر سنة ٩٢٢ وكان معه ٩٤٤ أميرا. وبينما هو في الطريق ورد عليه من نائب حلب خيري بك كتاب يقول فيه : إن ابن عثمان أرسل قاصدا ومعه كتاب لمولانا فأبقيت القاصد وأرسلت الكتاب. فلما فكّه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له : أنت والدي وأسألك الدعاء ، وإني ما زحفت على بلاد علي دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا عليّ وهو الذي أثار الفتنة بين والدي والسلطان قايتباي حين جرى بينهما ما جرى ، وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم.
فانشرح الغوري وجماعته من هذا المكتوب واستبشروا بالصلح. وكان ذلك كله احتيالا من ابن عثمان. ثم ورد عليه من سيباي نائب دمشق كتاب آخر ، فيه : إن العبد سمع بأن حضرة السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان ، وإن المملوك يقوم بهذا الأمر وتمدّوه بالعساكر المنصورة ، وإن خيري بك ملاح علينا ، ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل وقت. فلم يلتفت الغوري إلى مكتوب سيباي حذرا منه ، لأنه كان له رمّال يقول له : يلي الحكم بعدك حرف السين فكان يحاذر من «سيباي» ظنا منه أنه هو المراد بالسين.
ولما دخل الغوري دمشق زيّنت له سبعة أيام ، وفرش سيباي تحت حوافر فرسه شقق الحرير ، وازدحمت عليه المماليك بسبب نثر الذهب والفضة. ثم رحل إلى حمص ومنها إلى حلب فدخلها يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة سنة ٩٢٢ وكان دخوله إليها من باب المقام متوجها إلى الميدان الأخضر في موكب عظيم وأبهة زائدة ، ومعه أمراؤه والقضاة
__________________
(١) في الأصل : «كوود «فأثبتنا الصواب.