بحلب وأهلها ، ووجد نائب عينتاب قد انحاز إلى السلطان سليم فرجع كربتاي وأخبر الغوري بعصيان قيصرية وعينتاب ، وأن عسكر السلطان سليم قد أقبلت طلائعها. فارتج عسكر الجراكسة لمّا فشا فيهم هذا الخبر ووقع فيهم الخلل. وعند ذلك انتبه الغوري وجمع الأمراء والأعيان وتحالفوا على الصدق فيما بينهم ، وقام من بينهم الأمير سيباي نائب دمشق وقبض على خيري بك نائب حلب وجرّه من طوقه بين يدي الغوري قال : يا مولانا إذا أردت الظفر بعدوك فاقتل هذا الخائن. فقام الأمير جانبردي الغزالي وقال : يا مولانا إن قتلته افتتن العسكر وقتل بعضهم بعضا وطمع العدوّ وضعفت شوكتكم. وكان هذا الكلام مكيدة من الغزالي.
ثم إن الغوري أمر أن ينادى بالرحيل والنزول على حيلان. وفي اليوم الحادي والعشرين رجب ركب الغوري وخرج من ميدان حلب وبات بمن معه في حيلان. وفي الغد أمر العسكر بالرحيل إلى مرج دابق حيث جعله موعدا للسلطان سليم. فرحلوا وأقاموا به. فلما كان اليوم السابع والعشرين رجب لم يشعروا إلا وقد دهمتهم عساكر السلطان سليم. وعندها ركب الغوري وصار يرتب العسكر بنفسه ، وكان حوله أربعون مصحفا مغلفة بالحرير الأصفر على رؤوس جماعة من الأشراف ، وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان (رضه). وكان على الميمنة سيباي وعلى الميسرة خاير بك.
ثم التحم الفريقان للقتال فما كان غير ساعة حتى لاحت الغلبة على العثمانيين وأخذ الجراكسة منهم سبعة سناجق (١). وكاد السلطان سليم يهرب أو يستأمن ، غير أن الغوري أراد أن يمكر بالقرانصة الذين طالما حاول نكبتهم وهم جند الدولة العام ، فنادى بمماليكه الجلبان (وهم عسكره الخاص) ـ الذين نوى في استحداثهم قهر القرانصة ـ أن يكفوا عن القتال ويتركوا القرانصة يقاتلون وحدهم. فكفّوا وقد شعر القرانصة بمكره فتغيرت نياتهم ، وقد جدّ الجيش العثماني بإطلاق نيران المدافع فصارت تمطر على الجيوش المصرية وابلا من القنابل المهلكة فاضطربوا وخافوا وصاروا ينادون العثمانيين بأعلى أصواتهم : لسنا ممن كفر بالله حتى تحرقوننا (٢) بالنار.
__________________
(١) أي سبعة ألوية.
(٢) الصواب : «تحرقونا» بحذف نون الأفعال الخمسة.